السؤال
عندي مشكلة أخاف منها، وهي أني شاب كنت لا أستمع للأغاني، ولكني الآن أصبحت أستمع لها. وأنا والله لست فخورا بما أقول، ودائماً ما أندم على الاستماع لها. وأحياناً أكون خائفاً من الله حتى وأنا أستمع لها، والحمد لله لا أجاهر بالذنب، ولا أستمع أمام الناس، والناس يعرفون أني لا أستمع للأغاني.
وهنا تكمن مشكلتي وهي أني كنت البارحة مع صديق لي في السيارة، وكان يضع الأغاني وهو يعلم أنني لا أستمع للأغاني، ولكنه نسي وعندما تذكر قام بإطفاء الأغاني، ونظر إلى وقال لي "عادي أطفئها؟" ولكني ارتبكت، فإذا قلت له: لا، سأكون مجاهراً بالذنب، وإذا قلت له: نعم، أدخل في حديث الذي يمشي بين أهل النار وأمعاؤه خارج جسده، الذي كان يأمر بالمعروف ولا يعمله، وينهى عن المنكر ويأتيه. ولكني قلت له أن يطفئها.
فهل أدخل في حديث النبي صلى الله عليه ذاك؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاحمد الله الذي ما زال يسترك مع معصيتك باستماع الأغاني، ولا شك أن المجاهر بالمعصية أعظم إثمًا من المستتر بها؛ لأن المجاهر جمع مع الوقوع في المعصية العنادَ، والاستخفافَ.
قال ابن حجر في الفتح: قَالَ ابن بَطَّالٍ: فِي الْجَهْرِ بِالْمَعْصِيَةِ اسْتِخْفَافٌ بِحَقِّ اللَّهِ، وَرَسُولِهِ، وَبِصَالِحِي الْمُؤْمِنِينَ، وَفِيهِ ضَرْبٌ مِنَ الْعِنَادِ لَهُمْ.
وَفِي السِّتْرِ بِهَا السَّلَامَةُ مِنَ الِاسْتِخْفَافِ؛ لِأَنَّ الْمَعَاصِيَ تُذِلُّ أَهْلَهَا، وَمِنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ فِيهِ حَدٌّ، وَمِنَ التَّعْزِيرِ إِنْ لَمْ يُوجِبْ حَدًّا، وَإِذَا تَمَحَّضَ حَقُّ اللَّهِ فَهُوَ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ، وَرَحْمَتُهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ، فَلِذَلِكَ إِذَا سَتَرَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَفْضَحْهُ فِي الْآخِرَةِ، وَالَّذِي يُجَاهِرُ يَفُوتُهُ جَمِيعُ ذَلِكَ.. اهـ.
وقال أيضًا: الَّذِي يُظْهِرُ الْمَعْصِيَةَ قَدِ ارْتَكَبَ مَحْذُورَيْنِ: إِظْهَارَ الْمعْصِيَة، وتلبسه بِفعل المجان. اهـ.
كما أن المجاهر أيضًا ربما أغرى الناس في الوقوع في المعصية، وحملهم على الاقتداء به فيها.
قال ابن باديس -رحمه الله تعالى-: أما الذي يجاهر بمعصيته، ويعلن بها، فهذا قد تعدَّى على مجتمع الناس بما أظهر من فساد، وما أوجد من قدوة سيئة، وما عمل لمجاهرته على شيوع الفاحشة فيهم، وقد تعدى على الشرع بما انتهك من حرمته، وجرأ من السفهاء عليه، وهو بمجاهرته قد دل على استخفافه بحق الله، وحق عباده، وعلى عناده للدِّين، وخلو قلبه من الخوف، والحياء.. اهـ.
ومن جمع بين المجاهرة بسماع الموسيقى وبين إسماعها غيره، فإن عليه إثم الاستماع بنفسه، وإثم استماع غيره؛ لأنه كان سببًا في استماعهم، وقد ذكرنا في الفتويين: 274672، 213925 أنه بمنزلة الداعي إلى الضلال؛ لأنه دعا إليه بفعله.
علما بأن الإنكار على أهل المعاصي للقادر عليه واجب ولو في حق من يقوم بها؛ إذ الإنكار واجب، وترك المعصية أمر واجب. ولا يسقط أحد الواجبين ارتكاب أحدهما.
ومع ذلك نحذرك من أن تكون من الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، فنصحك لزملائك بترك المعاصي شيء طيب وتؤجر عليه إن شاء الله، وإن كنت تقع في المعصية، ولكن عليك أيضا أن تكون أول من يطبق ما يأمر به وينتهي عما ينهى عنه؛ وإلا فيخشى عليك الدخول في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ. [الصف: 2-3]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تك تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه. رواه البخاري ومسلم.
والله أعلم.