السؤال
يقول تعالى: (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون).
والسؤال هو: هل يستطيع الإنسان المسرف على نفسه أن يتخلص من إحاطة الخطيئة به؟ ومعنى أحاطت به خطيئته، أي: غمرته من كل مكان، فسدّت عليه جميع الطرق المؤدية للتوبة، وهل يدخل المدمن -كمدمن المخدرات، أو مدمن النظر إلى النساء، أو المدمن على المعصية بصفة عامة- ضمن الوعيد في هذه الآية؟ وهل يعد المدمن مشركًا؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذه الآية إنما هي في الكفار الذين ماتوا على الكفر، فالسيئة هنا هي الشرك، فهذا هو الذنب الذي يحيط بالعبد، فلا يغفره الله تعالى، وما عداه من الذنوب، فإن صاحبه تحت المشيئة.
وأما من أشرك، ومات على الشرك، فهذا هو المستحق للنار، خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: ثم ذكر تعالى حكمًا عامًّا لكل أحد، يدخل به بنو إسرائيل وغيرهم، وهو الحكم الذي لا حكم غيره، لا أمانيهم ودعاويهم بصفة الهالكين والناجين، فقال: {بَلَى} أي: ليس الأمر كما ذكرتم، فإنه قول لا حقيقة له، ولكن {مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً} وهو نكرة في سياق الشرط، فيعم الشرك فما دونه، والمراد به هنا الشرك، بدليل قوله: {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} أي: أحاطت بعاملها، فلم تدع له منفذًا، وهذا لا يكون إلا الشرك، فإن من معه الإيمان لا تحيط به خطيئته {فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، وقد احتج بها الخوارج على كفر صاحب المعصية، وهي حجة عليهم كما ترى، فإنها ظاهرة في الشرك، وهكذا كل مبطل يحتج بآية، أو حديث صحيح على قوله الباطل، فلا بد أن يكون فيما احتج به حجة عليه. انتهى.
فإذا علمت هذا؛ فإن المدمن من جملة العصاة، وليس هو من المتوعدين بهذه الآية، ثم إن باب التوبة مفتوح أمام المشرك، وأولى من دونه من أصحاب المعاصي، فلو تاب المشرك توبة نصوحًا، وأسلم، غفر الله له ما كان منه، كما قال تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ {الأنفال:38}.
والله أعلم.