السؤال
والدتي كانت لا تحب أمها (جدتي) وتعاملها معاملة سيئة بسبب صغر عقل جدتي، وأنها ليست مدركة للواقع بشكل جيد.
وكانت أمي تغضب من تصرفاتها، وأحيانا تعاملها بعنف، وتتلفظ بشتائم. وحينما توفي جدي، كانت جدتي تعيش وحيدة فأخذتها أمي لتعيش معنا.
وللأسف عندما كنا نرى والدتنا تعاملها بهذه المعاملة، كنا نقلدها ونتعامل معها بعنف، وأحيانا تصل إلى مد يدنا عليها، وكنا غير مدركين أنها سيدة مسنة، ومريضة عقليا ليست بكامل قواها.
وبعد أن توفاها الله شعرت بحزن وندم شديد أنا وشقيقتي، بسبب ما كنا نفعله معها. وأحاول دائما أن أترحم عليها، وأتصدق عنها، وعملت لها عمرة كنوع من تكفير الذنب.
وفي الحقيقة أنا وشقيقتي حالنا لا يسر، وعندنا مشاكل. هل يكون بسبب ذلك؟ ماذا أفعل لأكفر عن ذنبي؟
وليست المشكلة هنا فقط، مع مرور الوقت اكتشفت أن شعوري أنا وشقيقتي تجاه أمي يكاد يكون نفس شعورها تجاه أمها (جدتي) وأحيانا أشعر رغما عني أنني لا أحبها، ولا أستطيع الحديث معها كثيرا بسبب جهلها لأمور كثيرة في الحياة، وصغر عقلها، وكثرة أخطائها في حياتنا والعقد النفسية التي سببتها لنا، ولكن في نفس الوقت أحاول ألا أغضبها لكيلا يغضب علي الله، وكأن التاريخ يعيد نفسه ويتكرر.
أرجوكم أفيدوني هل سيسامحنا الله على ما فعلنا مع جدتنا؟
هل ما نحن فيه من كربات ووقف حال، بسبب هذه الأفعال التي فعلناها بجدتنا!
وماذا أفعل مع أمي وكيف أعاملها وهل معاملتي لها الفاترة صحيحة؟
أرجوكم أفيدوني تعبت وأتألم من داخلي كثيرا، ولا أستطيع البوح لأحد بكل هذه الأسرار، ولا أثق في آراء الناس.
أرجوكم أفيدوني.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليكم أن تبروا أمّكم وتحسنوا إليها، وتحذروا من الإساءة إليها أو التقصير في حقّها، والواجب على أمّكم أن تتوب إلى الله تعالى من الإساءة إلى أمّها؛ فحقّ الأمّ عظيم وعقوقها من أكبر الكبائر، وقد بينا كيفية التوبة من عقوق الوالدين بعد موتهما في الفتوى: 18806
وعليكم التوبة من الإساءة إلى جدتكم، فإنّ لها حقّاً عظيماً، حتى ذهب جمع من أهل العلم إلى أنّ حكم الجد في البر حكم الوالد. وراجع الفتوى: 22766
ولا يمكن الجزم بسبب عدم توفيقكم في بعض الأمور وما يصيبكم من الكربات، لكن على وجه العموم فإنّ العبد إذا شعر بعدم التوفيق في بعض الأمور، فعليه أن يتهمّ نفسه ويراجع حاله مع الله و يجدد التوبة إلى الله؛ فإنّه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة؛ فإن الذنوب والمعاصي سبب الشر و البلاء.
ففي صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: … يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ.
قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- في جامع العلوم والحكم: الْمُؤْمِنُ إِذَا أَصَابَهُ فِي الدُّنْيَا بَلَاءٌ، رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ بِاللَّوْمِ، وَدَعَاهُ ذَلِكَ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ. اهـ.
وقال ابن القيم -رحمه الله- في الجواب الكافي: ومن عقوبات الذنوب إنها تزيل النعم وتحل النقم فما زالت عن العبد نعمة إلا لسبب ذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب. انتهى.
فبادروا بتجديد التوبة العامة، والاجتهاد في الأعمال الصالحة والحسنات الماحية، ومن أعظم ذلك أن تجتهدوا في برّ أمّكم، فإنّه من أفضل الأعمال وأرجاها ثوابا وتكفيرا للسيئات، ففي الأدب المفرد للبخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: إِنِّي لَا أَعْلَمُ عَمَلًا أَقْرَبَ إِلَى الله عز وجل، من بر الوالدة. انتهى.
والله أعلم.