السؤال
قمت بشراء جهاز استقبال فضائي، وقمت بحذف جميع قنوات الأفلام والمسلسلات والأغاني وغيرها. ولكن تركت بعض قنوات الأخبار التي تظهر فيها المذيعات غير المحجبات، وبعض القنوات المحلية التي تقدم أحيانا محتوى غير شرعي. إذا قمت بحذف قنوات الأخبار، والقنوات المحلية، فأنا متاكد تماما أن أهلي سوف يقومون بشراء جهاز استقبال آخر، ووقتها سوف يتركون كل القنوات بما فيها الأغاني، والأفلام، وغيرها؛ لذا قمت بترك هذه القنوات باعتبار أقل الأضرار، وخاصة أن المذيعات في قنوات الأخبار غير عاريات، كما في غيرها من القنوات، وأهلي يتابعونهن فقط؛ لأخذ الأخبار، ولا أعتقد أنهم ينظرون للمذيعات بشهوة؛ لأن من أراد أن يتابع الشهوات، فعنده هاتفه، أو القنوات الأخرى يمكن أن يجد فيها ما يريد أكثر من مذيعات الأخبار. فهل فعلي هذا صحيح؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشكر الله لك حرصك على البعد عن المحرمات، وصيانة أهلك عنها.
ولا تثريب عليك، ولا إثم -إن شاء الله- في أن تدخل إلى بيت أهلك قنوات الأخبار، ونحوها من القنوات التي لا تبث محتوى يثير الفتنة، ويحرك الغرائز والشهوات.
فليست أمثال تلك القنوات مقصدا أصلا لمن يريد التلذذ بالنظر إلى النساء، والبلوى قد عمت بظهور النساء المتبرجات، فالقول بمنع الإعانة على الانتفاع بأي شيء يمكن أن تظهر فيه صورة امرأة متبرجة قول عسر، والغرض الأساس من تلك القنوات هو متابعة الأخبار والبرامج، وليس النظر إلى النساء، ومشاهدة تلك القنوات مع غض البصر عن النساء االمتبرجات إن ظهرن لا حرج فيه، ولا حجة تقوى على منعه.
مع العلم بأن بعض العلماء المعاصرين يغاير بين حكم النظر الحقيقي إلى النساء وبين النظر إلى صورهن في الشاشات ونحوها، فيقصر المنع في الأخيرة على ما إذا كان النظر لشهوة.
ففي فتاوى ابن عثيمين: أما مشاهدة الصور في المجلات والصحف والتليفزيون: فإن كانت صور غير آدمي فلا بأس بمشاهدتها، لكن لا يقتنيها من أجل هذه الصور.
وإن كانت صور آدمي: فإن كان يشاهدها تلذذا أو استمتاعا بالنظر فهو حرام، وإن كان غير تلذذ ولا استمتاع ولا يتحرك قلبه ولا شهوته بذلك، فإن كان ممن يحل النظر إليه كنظر الرجل إلى الرجل، ونظر المرأة إلى المرأة أو إلى الرجل أيضا على القول الراجح، فلا بأس به، لكن لا يقتنيه من أجل هذه الصور.
وإن كان ممن لا يحل له النظر إليه؛ كنظر الرجل إلى المرأة الأجنبية، فهذا موضع شك وتردد، والاحتياط أن لا ينظر خوفا من الفتنة، وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها)). والنعت بالصورة أبلغ من النعت بالوصف؛ إلا أن هذا الحديث رواه الإمام أحمد من وجه آخر بلفظ: ((لتنعتها لزوجها)) وذكر في فتح الباري ص 338 ج 9 الطبعة السلفية أن النسائي زاد في روايته: ((في الثوب الواحد)) وهو مفهوم من قوله: ((لا تباشر)) ومجموع الروايات يقتضي أن الزوجة عمدت إلى مباشرة المرأة لتصف لزوجها ما تحت الثياب منها، ومن أجل هذا حصل عندنا الشك والتردد في جواز نظر الرجل إلى صورة المرأة في الصحف والمجلات والتليفزيون، والبعد عن وسائل الفتن مطلوب .
وفيها: جاء في الفتوى السابقة فيما يتعلق بمشاهدة الصور ما نصه: ((وإن كان ممن لا يحل له النظر إليه كنظر الرجل إلى المرأة الأجنبية فهذا موضع شك وتردد والاحتياط أن لا ينظر خوفا من الفتنة)) فهذا يفهم منه أن فضيلتكم لا يرى بأسا في نظر الرجل إلى الصورة ولو كانت صورة امرأة أجنبية فنرجو التوضيح؟
فأجاب فضيلته: النقطة التي أشار إليها السائل وهي أنه يفهم من كلامنا أننا لا نرى بأسا في نظر الرجل إلى الصورة ولو كانت صورة امرأة أجنبية فنقول هذه النقطة فيها تفصيل:
فإن كانت امرأة معينة ونظر إليها نظر تلذذ وشهوة فهذا حرام، لأن نفسه حينئذ تتعلق بها وتتبعها وربما يحصل بذلك شر وفتنة، فإن لم ينظر إليها نظر تلذذ وشهوة وإنما هي نظرة عابرة لم تحرك له ساكنا، ولم توجب له تأملا فتحريم هذه النظر فيه نظر، فإن إلحاق نظر الصورة بنظر الحقيقة غير صحيح، لما بينهما من الفرق العظيم في التأثير، لكن الأولى البعد عنه لأنه قد يفضي إلى نظر التأمل ثم التلذذ والشهوة، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها)). رواه البخاري، ورواه أحمد وأبو داود بلفظ: ((لتنعتها لزوجها)). واللام للتعليل. وأما إن كانت الصورة لامرأة غير معينة، فلا بأس بالنظر إليها إذا لم يخش من ذلك محذور شرعي. اهـ.
وفي هذا القول مزيد توسعة وتسهيل.
والله أعلم.