السؤال
في الحديث الشريف: عنْ أَبي سَعيدٍ، وأَبي هُرَيْرة -رضيَ اللَّه عَنْهُمَا- عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمّ،ٍ وَلاَ حَزَنٍ، وَلاَ أَذًى، وَلاَ غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها، إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه". متفقٌ عَلَيهِ.
مما يصيب الإنسان البعوض، والذباب، والحرّ في الصيف، والبرد في الشتاء، والأحلام المزعجة، والكوابيس، فهل هذه الأمور السابقة من الأمور التي تكفّر سيئات المسلم، ويأخذ عليها ثوابًا؟ جزاكم الله عزّ وجلّ خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي ذكرته متفق عليه, واللفظ للبخاري.
وهذا الحديث يدلّ بعمومه أن كل ما يصيب المسلم من أذىً في بدنه, أو نفسه, فإنه مكفّر للذنوب, وجالب للحسنات, ويشمل ذلك الأمور التي ذكرتها في سؤالك، يقول النووي في شرح صحيح مسلم: قوله -صلى الله عليه وسلم-: (ما من مسلم يشاك شوكة، فما فوقها، إلا كتبت له درجة، ومحيت عنه بها خطيئة). وفي رواية: (إلا رفعه الله بها درجة، أو حطّ عنه بها خطيئة). وفي بعض النسخ: (وحطّ عنه بها). وفي رواية: (إلا كتب الله له بها حسنة، أو حطت عنه بها خطيئة).
في هذه الأحاديث بشارة عظيمة للمسلمين؛ فإنه قلما ينفك الواحد منهم ساعة من شيء من هذه الأمور، وفيه تكفير الخطايا بالأمراض، والأسقام، ومصايب الدنيا، وهمومها، وإن قلّت مشقتها. وفيه رفع الدرجات بهذه الأمور، وزيادة الحسنات، وهذا هو الصحيح الذي عليه جماهير العلماء. اهـ.
وفي عمدة القاري للعيني: (من نَصَب) أي: من تَعَب وزنه ومعناه. قوله: (ولا وَصَب) وهو المَرَض وزنه ومعناه. قوله: (ولا همّ) وهو المكروه يلحق الإنسان بحسب ما يقصده، والحزن ما يلحقه بسبب حصول مكروه في الماضي، وهما من أمراض الباطن، والأذى ما يلحقه من تعدّي الغير عليه، والغمّ بالغين المعجمة، ما يضيق على القلب.
وقيل: في هذه الأشياء الثلاثة -وهي الهمّ، والغمّ، والحزن-: إن الهمّ ينشأ عن الفكر فيما يتوقع حصوله مما يتأذى به، والغمّ كرب يحدث للقلب بسبب ما حصل، والحزن يحدث لفقد ما يشق على المرء فقده.
وقيل: الغم والحزن بمعنى واحد. وقال الكرماني: الغم يشمل جميع المكروهات؛ لأنه إما بسبب ما يعرض للبدن أو للنفس، والأول إما بحيث يخرج عن المجرى الطبيعي أو لا، والثاني إما أن يلاحظ فيه الغير أو لا، ثم ذلك إما أن يظهر فيه الانقباض والاغتمام أو لا، ثم ذلك بالنظر إلى الماضي أو لا. اهـ.
والله أعلم.