السؤال
ما حكم صيغ النذر هذه: نذر استغفار ثلاثين مرة بعد مشاهدة الأفلام والمسلسلات، وإذا نسيت أزيد ثلاثة في اليوم التالي، والنذر يجب بعد إكمال يوم، أو النوم، ولا يهم عدد المسلسلات، والأفلام المتابعة. وإذا نام ونسي، فإنه يستغفر نفس العدد، إلا إذا مرّ يوم، فتزيد ثلاثة على اليوم الثاني، فيصبح اليوم التالي:33، وليس 63، وإذا تناساها أيامًا كثيرة، فإنه يستغفر 30، ويزيد ثلاثة لا أكثر، وإذا أراد الزيادة، فلا تكون أكثر من 548 لكل شهر، وهذا تطوعي، والمهم ألا تنقص عن 330 إذا نسيها نسيانًا تامًّا أو تكاسل.
نذر استغفار مرة واحدة بعد كل سبّة، سواء بالقلب أم اللسان، ويعذر إذا نسي، فيستغفر مرة، ولا يهم عدد السبات إذا نسيها فعلًا، وألا تزيد عن ألف، مهما كانت الأيام، أو الأشهر، أو السنين.
شرح: إذا نسيت الاستغفار أيامًا، أو أشهرًا، أو سنين بسبب التكاسل، فيسقط حق اليوم؛ لأن النذر يخص اليوم بعينه، فإذا أصبحت أيامًا كثيرة، فإنها تحسب كيوم، فهل نيتي، وصيغة النذر جائزة شرعًا؟
نذر صيام يومين متتابعين إذا استمنى، فإذا أفطر، فإنه يرجع يومين، وليس المعنى إذا لزمه أربعة أيام، وأفطر في الثالث أن يعيدها كلها، بل اليومين الأخيرين.
استغفاره عن كل مجاهرة، وإذا نمت، ولم أحصِها، أو تكاسلت، فلا أزيد أو أنقص عن ثلاثة آلاف استغفار، مهما كانت الأيام، أو الأشهر، أو السنين.
نذر قراءة صفحة من القرآن كل يوم، فإن نسي، أو تكاسل، فيقرؤها مرة، ولا يجب عليه قراءة الأيام الماضية، وأنا أريد أن تكون التوبة نصوحًا مع أداء الكفارات السابقة إن وجدت، والتوقف عن النذر مستقبلًا، فهل ذلك صحيح؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عن السؤال نقول: يجب على المكلف منع نفسه، وكبح هواه عن المعاصي؛ امتثالًا لأمر الله تعالى بالتقوى، واجتنابًا لنواهيه؛ فالتهاون بالمعاصي، وتجاوز حدود الله، مهلكة.
وأنفع طريق لذلك هو استشعار عظمة الله، واطّلاعه على كل كبيرة وصغيرة، واستحضار ما أعدّ الله للمذنبين يوم القيامة.
أما جواب السؤال، فهو ما يلي: النذور الواقعة لمنع النفس من فعل المعصية؛ كالاستمناء، أو السب، أو مشاهدة المحرمات، هي مما يعرف بنذر اللجاج والغضب. والمفتى به عندنا -وهو قول الجمهور- أن الشخص يخيّر في هذا النوع من النذر بين أن يفي به، أو يكفّر كفارة يمين.
فإذا أراد الوفاء بالنذر، فالواجب الوفاء به على الصفة التي نذرها، ولا يلزمه الوفاء بالنذر، بل تجزئه كفارة يمين، كما ذكرنا، جاء في المغني لابن قدامة: إذَا أَخْرَجَ النَّذْرَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ، بِأَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ بِهِ شَيْئًا، أَوْ يَحُثَّ بِهِ عَلَى شَيْءٍ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا، فَلِلَّهِ عَلَيَّ الْحَجُّ، أَوْ صَدَقَةُ مَالِي، أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ، فَهَذَا يَمِينٌ، حُكْمُهُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَبَيْنَ أَنْ يَحْنَثَ، فَيَتَخَيَّرَ بَيْنَ فِعْلِ الْمَنْذُورِ، وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ، وَيُسَمَّى نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ نَذْرُ التَّبَرُّرِ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ. وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالْقَاسِمُ، وَالْحَسَنُ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَرِيكٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالْعَنْبَرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَا شَيْءَ فِي الْحَلِفِ بِالْحَجِّ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ، وَحَمَّادٍ، وَالْحَكَمِ: لَا شَيْءَ فِي الْحَلِفِ بِصَدَقَةِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَلْزَمُ بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، لِحُرْمَةِ الِاسْمِ، وَهَذَا مَا حَلَفَ بِاسْمِ اللَّهِ، وَلَا يَجِبُ مَا سَمَّاهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ مَخْرَجَ الْقُرْبَةِ، وَإِنَّمَا الْتَزَمَهُ عَلَى طَرِيقِ الْعُقُوبَةِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِنَذْرِهِ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ، فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ، كَنَذْرِ التَّبَرُّرِ. وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ الشَّعْبِيِّ.
وَلَنَا، مَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا نَذْرَ فِي غَضَبٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ». رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَالْجُوزَجَانِيُّ فِي "الْمُتَرْجَمِ". وَعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِالْمَشْيِ، أَوْ الْهَدْيِ، أَوْ جَعْلِ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ فِي الْمَسَاكِينِ، أَوْ فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ، فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ». وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ فِي عَصْرِهِمْ، وَلِأَنَّهُ يَمِينٌ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89]. انتهى.
وأما ما كان من نذر التبرر؛ كأن ينذر أن يقرأ كل يوم صفحة من القرآن، لا بقصد الحث، أو المنع، وإنما يقصد بذلك التقرب إلى الله، فهذا يجب الوفاء به؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: من نذر أن يطيع الله، فليطعه. رواه البخاري من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
فإن كان قيّد نذره بالذِّكْر بأن قال: إلا إن نسيت، فلا يلزمه شيء إذا نسي، وإنما يلزمه عند الحنابلة قضاء المنذور والكفارة إذا تعمّد الترك، والحال ما ذكر، قال أبو القاسم الخرقي: وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا بِعَيْنِهِ، فَأَفْطَرَ يَوْمًا بِغَيْرِ عُذْرٍ، ابْتَدَأَ شَهْرًا، وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِين. وقال ابن قدامة في المغني: وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ الْحَجُّ فِي عَامِي هَذَا. فَلَمْ يَحُجَّ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَالْكَفَّارَةُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، إذَا كَانَ مَعْذُورًا. انتهى.
والله أعلم.