السؤال
رجل عنده زوجة واحدة، وأولاد من غيرها، ويملك بيتا.
ولده الأصغر مقبل على الزواج، ولا يملك بيتا، وباقي الإخوة يملكون بيتا، وحالتهم المادية مستقرة.
رأفة من الأب بالابن الصغير، ورغبة منه في ألا يباع البيت بعد وفاته، ويبقى البيت بيتا للعائلة يلوذون به عند الحاجة. كتب الوالد البيت في السجل العقاري باسم الابن الأصغر، وقال له: لا تبع البيت، وإذا استطعت يوما (ودون تحديد مدة) أن تعطي إخوتك حقهم من إرث البيت فأعطهم؛ لأنك مؤتمن، ولا تأكل حق الورثة. وحينها لم يعترض على ذلك إلا ولد واحد، قال: ينبغي العدل في العطية بين الأولاد، وحفظ حق الزوجة. فقيل له إن الابن الأصغر لن يجحد حق الورثة.
توفي الأب. فما هو التوصيف الشرعي لهذه المسألة؟ وما الحكم فيها؟
وبناء عليه. هل تملك الابن الأصغر البيت ملكا تاما، وبقي في ذمته ثمن حصص باقي الإخوة، وزوجة الأب ولحين ميسرة. أم شرعا ما زال البيت مشاعا بين الورثة كلهم وكل حسب حصته، وبالتالي يحق لأحد الأبناء المطالبة بحقه قبل أن يتيسر للابن الأصغر امتلاك ثمن أي حصة، خلافا لوصية الوالد.
مع العلم أن أحد الإخوة قد اقترح أن يشتري البيت؛ لأنه يملك ثمنه المرتفع جدا ليحل الإشكال، ويعطي من يريد من الورثة حصصهم الآن؛ لأن دخل الابن الأصغر قليل جدا بالنسبة لثمن البيت المرتفع جدا، والأغلب أن لا يقدر على سداد ثمن البيت طيلة حياته.
وفي نفس الوقت يبقى الابن الأصغر في البيت إلى أن يتيسر شراء بيت له. فرفض الابن الأصغر ذلك، وقال إن البيت له، وقد أعطاه إياه الوالد وحق باقي الورثة محفوظ إذا تيسر معه، فالله هو الرزاق يمكن أن يرزقه ثمن البيت. وأن الوالد أوصاه بعدم بيع البيت، ولن يخالف وصيته.
فما رأيكم شرعا في ذلك؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقول ابتداء: إن مثل هذه المسائل التي يحصل فيها خلاف ونزاع بين الورثة، ينبغي رفعها إلى المحكمة الشرعية -إن كانت- أو مشافهة من يصلح للاستفتاء من أهل العلم حتى ينظر فيها ويسمع جميع الأطراف، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: يَا عَلِيُّ؛ إِذَا جَلَسَ إِلَيْكَ الْخَصْمَانِ، فَلَا تَقْضِ بَيْنَهُمَا حَتَّى تَسْمَعَ مِن الْآخَرِ، كَمَا سَمِعْتَ مِن الْأَوَّلِ، فَإِنَّكَ إِذَا فعَلْتَ ذَلِكَ، تَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ. رواه أحمد، وأبو داود، وحسنه الألباني.
والذي يمكننا قوله باختصار في مسألتكم: إن كان الأمر -كما ذكرت- ولا توجد تفاصيل أخرى لها أثر في الجواب. فالذي يظهر من فعل الأب أنه كتب البيت باسم الابن الأصغر لا على سبيل الهبة النافذة في حياته، بدليل أنه أوصاه بأن لا يجحد حق الورثة في البيت، وإنما أراد أن يسكن ابنُه البيت إلى أن يتيسر حاله ويعود البيت للورثة. وهذه وصية لوارث بمنفعةٍ، وهي منفعة السكنى. وإذا كان الأمر كذلك، فإن هذه الوصية ليست ملزمة؛ لأن الوصية للوارث ممنوعة شرعا سواء كانت وصيةً له بعين، أو وصيةً له بمنفعة.
قال ابن قدامة في المغني: كُل مَنْ لَا تَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِالْعَيْنِ، لَا تَجُوزُ بِالْمَنْفَعَةِ، كَالْأَجْنَبِيِّ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ... لَوْ أَوْصَى لِوَرَثَتِهِ بِمَنْفَعَةِ عَبْدٍ، لَمْ يَجُزْ اهــ.
وعلى هذا؛ فالوصية للابن الصغير بسكنى البيت حتى يستغني، وصية لا تجوز، وليست ملزمة. وليس للابن الموصى له بالمنفعة أن يجبرهم على سكناه البيت حتى يستغني، بل لهم الحق في مطالبته ببيع البيت وقسمته فورا دون انتظار.
وقد قررنا مرارا في فتاوى سابقة أن الأملاك التي لا يمكن قسمتها بين الورثة عمليا -كالبيت والسيارة- إذا طالب أحد الورثة ببيعها أجبر البقية على البيع.
قال ابن تيمية -رحمه الله- كما في مجموع الفتاوى: كَلُّ مَا لَا يُمْكِنُ قَسْمُهُ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ، وَيُقْسَمُ ثَمَنُهُ إذَا طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ ذَلِكَ؛ وَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْبَيْعِ، وَحَكَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ ذَلِكَ إجْمَاعًا. اهــ.
وجاء في كشاف القناع -من كتب الحنابلة- عن قسمة هذا النوع من الأملاك بين الشركاء: (وَمَنْ دَعَا شَرِيكَهُ فِيهَا) أَيْ فِي الدُّورِ الصِّغَارِ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ إلَى الْبَيْعِ أُجْبِرَ... إنْ امْتَنَعَ عَن الْبَيْعِ؛ لِيَتَخَلَّصَ الطَّالِبُ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ (فَإِنْ أَبَى) الْمُمْتَنِعُ الْبَيْعَ (بِيعَ) أَيْ بَاعَهُ الْحَاكِمُ (عَلَيْهِمَا) لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ. اهــ.
والله أعلم.