السؤال
فضلاً وليس أمراً، اقرؤوا استفساري كله، جزاكم الله خيراً.
هل يمكن اعتبار الدف من المعازف التي حرمها الرسول صلى الله عليه، وعلى آله، وسلم، في حديث أبي مالك الأشعري.
وهل يمكن أن يستدل على تحريمها إذا ارتبطت بمعصية وتحريض على فاحشة، أو إلهاء عن ذكر الله، بأنه صلى الله عليه، وعلى آله، وسلم "نهى عن اشتمال الصماء، وأن يرفع الرجل إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلق على ظهره" في حين أنه روي عن عباد بن تميم عن عمه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، واضعا إحدى رجليه على الأخرى" وتم الاستدلال بذلك على التحريم في حالة كشف العورة، وهو منهي عنه مسبقاً؟
كما أن بعض العلماء الذين أفتوا بالإباحة المشروطة للغناء والمعازف، استدلوا بما روي عن عبد الله بن جعفر -رضي الله عنه- أنه كانت عنده جارية تعزف على العود، وأن حسان بن ثابت وعمرو بن العاص -رضي الله عنهم- كانوا لا يروا بأساً في المعازف، وأنه كان لعدد من علماء المدينة نفس الرأي.
غير أني بحثت بمعرفتي المتواضعة في موقع موسوعة الحديث، لعلي أجد ضالتي؛ فوجدت ضعفاً في سند حديث المعازف، وأسانيد أحاديث الكوبة والمزامير.
أرجو منكم الرد الكافي الوافي، بارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدف من جملة المعازف بلا شك، وقد دلت السنة على تحريمها إلا ما استثني من الدف في العرس، كما بيناه في فتاوى سابقة. ولم يتقيد تحريمها في الأدلة بما لو ألهت عن ذكر الله، أو جرَّت إلى فاحشة.
وقولك إنك وجدت ضعفا في حديث المعازف، لم نفهم أي حديث تعني؟ فإن كنت تعني حديث البخاري: لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ. فقد بينا صحة سند الحديث، والرد على من زعم أنه ضعيف، وذكرنا من صححه من العلماء، في الفتوى: 35708، فانظرها.
كما ذكرنا في فتاوى سابقة، أدلة تحريم المعازف وشبهات من أباحها ومناقشتها. وقد أشبعنا المسألة بحثا، فلا حاجة للإعادة هنا. فانظر الفتوى: 150349، والفتوى: 101949، والفتوى: 212389، والفتوى: 141815، والفتوى: 66001، والفتاوى المحال عليها فيها.
وأما ما ذكرته عن عبد الله بن جعفر وغيره، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الاستقامة: أما النَّقْل عَن ابْن عمر فَبَاطِل، بل الْمَحْفُوظ عَن ابن عمر ذمه للغناء وَنَهْيه عَنهُ، وَكَذَلِكَ عَن سَائِر أَئِمَّة الصَّحَابَة؛ كابن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَجَابِر وَغَيرهم مِمَّن ائتم بهم الْمُسلمُونَ فِي دينهم.
وَأما مَا يذكر من فعل عبد الله بن جَعْفَر فِي أَنه كَانَ لَهُ جَارِيَة يسمع غناءها فِي بَيته. فعبد الله بن جَعْفَر لَيْسَ مِمَّن يصلح أَن يُعَارض قَوْله فِي الدّين فضلا عَن فعله، لقَوْل ابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَجَابِر وأمثالهم ....
ثمَّ الَّذِي فعله عبد الله بن جَعْفَر كَانَ فِي دَاره، لم يكن يجْتَمع عِنْده على ذَلِك وَلَا يسمعهُ إِلَّا مِمَّن ملوكته، وَلَا يعده دينا وَطَاعَة بل هُوَ عِنْده من الْبَاطِل. وَهَذَا مثل مَا يَفْعَله بعض أهل السعَة من اسْتِمَاع غناء جَارِيَته فِي بَيته وَنَحْو ذَلِك، فَأَيْنَ هَذَا من هَذَا؟ هَذَا لَو كَانَ مِمَّا يصلح أَن يحْتَج بِهِ فَكيف وَلَيْسَ بِحجَّة أصلا. اهــ.
ونحن نتعجب من مقارنة مسألة رفع إحدى الرجلين، والأدلة الواردة فيها، مع مسألة تحريم المعازف، فتحريم المعازف لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يعارضه. وكأنك تريد أن تخصص أدلة التحريم أو تصرفها عما دلت عليه بفعل أحد من الصحابة، أو أحد من التابعين أو فقيه من فقهاء الإسلام؟! ومن المعلوم أن كل هذه ليست أدلة شرعية تخصص حديثا أو آية.
والله أعلم.