السؤال
انتشرت الآن الأعلاف المركزة، والتي تحتوي على دهون حيوانية، وأجزاء ميتة. هل الامتناع عن أكل اللحوم كلها يعتبر تنطعا، عند الأخذ بقول من قال بتحريم أكل الجلالة؟
ولماذا قال الفقهاء إن الجلالة هي التي تأكل النجاسات عموما، مع أن الجلالة في اللغة، هي: التي تأكل العذرة؟
ولم تحرم الشريعة الاصطياد من البرية مع أن الحيوانات في البر ربما تأكل نجاسات.
أعلم أن الجلالة عندكم هي التي يظهر عليها أثر في لحمها، لكن من أراد توقي الشبهات في هذه المسائل ماذا يفعل: هل يترك أكل اللحوم بالكلية؟
ولم يرد في الأحاديث أن حبس الجلالة يطهرها. أرجو إيضاح الأمر؛ لأنه اختلط علي، وسبب لي حرجا شديدا.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية ننبه على أن علف النجاسة للحيوان مأكول اللحم، في حكمه خلاف بين أهل العلم، والأرجح -إن شاء الله- هو جواز علفه بذلك إذا كان لا يذبح قريبا، بخلاف ما يذبح قريبا؛ لأنه يصير جلالة، وراجعي في ذلك الفتوى: 167499.
ويتأكد الجواز إذا كان هذا العلف أحيانا، كما قال أبو البركات ابن تيمية في المحرر: يجوز أن يعلف الإبل والبقر التي لا يراد ذبحها بالقرب، الأطعمة النجسة أحيانا. اهـ.
وعلل شارح المحرر ذلك بقوله: لأنه يجوز تركها في المرعى على اختيارها، ومعلوم أنها تعلف النجاسة. اهـ.
نقله عنه البهوتي والرحيباني. وهذا التعليل يشبه قول السائلة: (لم تحرم الشريعة الاصطياد من البرية مع أن الحيوانات في البر ربما تأكل نجاسات). فظهر بذلك صحة هذا الاستدلال إذا علفت النجس أحيانا لا دائما.
ثم إن الجلالة في تعريفها وفي حكمها خلاف كثير بين أهل العلم، فمنهم من خصها بأكل الجلة (العذرة) كما قال ابن حزم في «المحلى»: ألبان الجلالة حرام، وهي الإبل التي تأكل الجلة -وهي العذرة- والبقر والغنم كذلك. اهـ.
والجمهور على تعميم الحكم في سائر النجاسات، ولكن اختلفوا في الحد الذي تصير به جلالة، فمنهم من خصها بما كان علفها النجاسة ولم يخلط بغيره، وأنتن لحمها من ذلك. ومنهم من علق ذلك بما إذا ظهر فيها أثر النجاسة من ريح ونتن. ومنهم من أطلق ذلك إذا كان أغلب علفها النجاسة.
وأما حكمها، فالجمهور على كرهها تنزيها، والحنابلة على حرمتها، والمالكية على جوازها.
وتفصيل ذلك وأدلته في كتب الفقه.
والذي يعنينا هنا هو الترجيح، والذي يظهر لنا أن حكم الجلالة متعلق بوجود أثر للنجاسة في البهيمة في لحمها أو ريحها، فإذا لم يظهر لها أثر فلا بأس بها. وإذا ظهر كره لحمها، وراجعي الفتويين: 9571، 120477.
وبناء على ما تقدم، فالذي يظهر لنا أن الامتناع عن أكل اللحوم كلها لمجرد وجود مثل هذا النوع من الأعلاف: أقرب إلى التنطع منه إلى السنة.
والله أعلم.