السؤال
قد يقع من الإنسان أمر قد يرى نفسه أنه لم يحط علما بكل التفاصيل العلمية؛ لكي يحكم أن ما وقع منه معصية، وأيضا إن كان الإنسان كثير الوسوسة قد يشكل عليه هل ما حصل ذنب أم لا؟
وأنا أريد أن أتوب، وتقبل توبتي، ولقد سمعت كلاما للإمام ابن القيم أن التوبة لا تصح من غير معرفة الذنب، والاعتراف به، وأيضا ابن تيمية ذكر بخصوص التوبة الشاملة أنها لا تتناول ما لا يراه ذنبا، وبالتحديد ذكر ما لا يراه ذنبا، ويراه حسنا.
هل إذا كنت أجهل أن ما وقع يعتبر معصية؛ لا يكفي الاستغفار الشامل، والإحساس بالندم عموما على الإسراف على النفس؟ هل ذلك لا يكفي أن يعتبر ذلك توبة وتقبل؟ أم لا بد أن أسأل العلماء عن ما حدث بالواقع؛ لكي يحصل عندي علم أن ما وقع مني إن كان معصية، فتقبل التوبة؛ لأني إن علمت أعتبر اعترفت. أم حتى الحالة الأولى التي ذكرتها مع عدم اليقين أن ما حدث بالواقع كان معصية بسبب أني أرى أني لم أحط علما بحيث أحكم حكما قطعيا عما حصل مني أنه معصية، ولا عذر لي؟ هل تلك الحالة الأولى التي ذكرتها تكفي، وأكون تائبا، ويقبل الله توبتي؟ أفيدوني، جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن كان مبتلى بالوسوسة؛ فلا ينفعه التعرض لمثل هذا الخلاف، وما يذكره أهل العلم من تفاصيله، وينبغي أن يعمل بقول من قال من أهل العلم بصحة التوبة العامة من كل ذنب علمه، أو لم يعلمه، فيندم على كل مخالفة لأمر الله، وإن كان يجهلها.
حتى ذهب القاضي أبو بكر الباقلاني إلى أن التائب يقول: إن كان لي ذنب لم أعلمه، فأنا تائب إلى الله منه. اهـ نقله عنه غير واحد كالزركشي في المنثور، والمناوي في فيض القدير.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى: من تاب توبة عامة كانت هذه التوبة مقتضية لغفران الذنوب كلها؛ وإن لم يستحضر أعيان الذنوب. اهـ.
هذا .. ومن أهل العلم من ينص على أن التوبة لا تجب أصلا إلا بعد تحقق الإثم، بخلاف ما يشك في كونه إثما.
قال ابن مفلح في «الآداب الشرعية»: قال في نهاية المبتدئين: تصح التوبة مما يظن أنه إثم، وقيل: لا. ولا تجب بدون تحقق إثم. اهـ.
فحسبك -يرحمك الله- ما ذكرته من الاستغفار الشامل، والإحساس بالندم عموما على الإسراف على النفس. فهذا يكفيك بفضل الله ورحمته، ولا تعسر على نفسك أمر التوبة، ولا تفتش، ولا تستفصل، فإن هذا لا يزيد الموسوس إلا عناء من دون طائل.
والله أعلم.