السؤال
عمري 47 سنة، وأعمل خارج بلدي منذ سنوات، ولي أخت مطلّقة منذ سنوات، عمرها 50 سنة، كانت تعيش مع والدي ووالدتي قبل وفاتهم -رحمهم الله رحمة واسعة-.
عدت لبلدي منذ سنتين خلال فترة مرض والدي قبل وفاته، وبعد وفاة والدي مباشرة طلبت أختي الزواج من شخص لا نعرفه، وأثناء النقاش مع ذلك الشخص اكتشفت أنهم تزوّجوا زواجًا غير رسمي منذ سنة، أي قبل وفاة والدي، دون وليّ، ولا إشهار، فقاطعتها، ولم أعد أتعامل معها منذ ذلك الحين؛ لقناعتي أن هذا ليس زواجًا، وأبلغتها بذلك عدة مرات، فهل أنا بذلك قاطع للرحم، أم هي بما فعلته؟ ولا أستطيع إجبارها على فعل شيء، أو ترك شيء؛ كونها ليست بنتًا صغيرة.
وهي الآن تعيش معه، ومع زوجته الأولى وأولاده على أنها زوجته الثانية، وأحيانًا يعيشون في بيت والدي -رحمة الله عليه-.
لا أريد التفكير في كون ذلك الشخص يستغلّها لمالها وللميراث؛ لأنه لا يعلم النوايا غير الله، وهي حرة في أموالها، تتصرّف بها كيف تشاء، فهل عليّ ذنب في تركها، وعدم التعامل معها؟ فأنا لا أستطيع رؤيتها، أو رؤية ذلك الشخص، ولا التعامل معهم، وأخاف من نفسي، ومن التهوّر، وقتله، أو ضربه، فهل عليَّ ذنب في تركها، أم يجب عليَّ منعها، ولو بالقوة؟ جزاكم الله خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فجوابنا يتلخص فيما يلي:
أولًا: إشهار النكاح أمر مستحب، وليس شرطًا من شروط صحة العقد، فإذا تم العقد بشروطه -من الوليّ، والشهود، والإيجاب، والقبول-؛ فالعقد صحيح، إلا أنه يستحب إعلانه؛ لحديث: أَعْلِنُوا النِّكَاحَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
جاء في الموسوعة الفقهية: ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ إِعْلاَنُ النِّكَاحِ، أَيْ: إِظْهَارُ عَقْدِهِ؛ حَتَّى يُشْهَرَ، وَيُعْرَفَ، وَيَبْعُدَ عَنْ تُهْمَةِ الزِّنَى؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَعْلِنُوا النِّكَاحَ"، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفِّ". اهــ.
ثانيًا: لا شك أن ما أقدمت عليه أختك أمرٌ مخالف للشرع؛ إذ الوليّ من شروط صحة النكاح، فمن تزوّجت بغير ولي؛ فنكاحها باطل في قول جمهور أهل العلم، وقد بينا اختلاف أهل العلم في صحة عقد النكاح دون ولي في الفتوى: 326578، وذكرنا أنه باطل عند الجمهور، صحيح عند الحنفية؛ فالزواج دون ولي مختلف في صحته بين الفقهاء، والراجح أنه باطل، وهو قول الجمهور، ولكن لو حكم بصحته قاضٍ؛ فهو على الصحة.
ثالثًا: وإن كانت أختك تزوّجت من غير شهود أيضًا، وإنما بينها وبين الرجل -كما يفعله بعض الناس، ويسمونه زواجًا عرفيًّا-؛ فهذا ليس بنكاح بالاتفاق، والحنفية القائلون بعدم شرط الولي، لا يقولون بصحة النكاح دون شهود، جاء في كتاب: "الاختيار لتعليل المختار" من كتب الحنفية: وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْمُسْلِمِينَ، إِلَّا بِحُضُورِ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. وَلَا بُدَّ فِي الشُّهُودِ مِنْ صِفَةِ الْحُرِّيَّةِ، وَالْإِسْلَامِ، وَلَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ) فَالشُّهُودُ شَرْطٌ؛ لِقَوْلِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِشُهُودٍ». وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الزَّانِيَةُ الَّتِي تُنْكِحُ نَفْسَهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ». اهــ.
رابعًا: أما كيفية التعامل معها، فإن كان الخلل قاصرًا على مجرد عدم الإشهار؛ فالأمر هيِّن؛ إذ ذكرنا لك أن الإشهار مستحب، لا شرط.
وأما عدم وجود وليّ؛ فيمكن أن تقوم بتصحيح العقد؛ فاجتهد في إقناعها بذلك، وأخبرها بأنك لا تمانع من تزويجها لذلك الرجل -إن رأيت أنه أهل للتزويج-، وهذا خير من قطيعة الرحم التي أمركما الله تعالى بوصلها.
ولا نرى أن تهجرها بالكلية، وإنما تصلها، ولو بأقلّ درجات الصلة؛ قيامًا بحق الرحم، ولعل ذلك يكون سببًا في رجوعها إلى طريق الشرع.
والله أعلم.