السؤال
لديَّ صديق مسلم يؤمن بالتطور، ويقول إنه مؤمن بآدم -عليه السلام-، ولكن هذا لا ينفي أن آدم قد يكون جاء من نسل غير بشري، ويستدل بالآية الكريمة: إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب. أو هذا ما فهمته منه. فكيف لي أن أقنعه ببطلان هذه النظرية.
وشكرا جزيلا لكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقصة خلق آدم منصوص عليها في القرآن، فالله تعالى خلقه بيديه من طين، ونفخ فيه من روحه، وهذا ينقض اعتقاد، بل ينقض مجرد احتمال أن يكون قد (جاء من نسل غير بشري)! قال تعالى: إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [ص: 71، 72] وقال: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [الحجر: 28، 29] وقال: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا [الإسراء: 61] وقال: قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ. قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [ص: 75، 76].
وفي الصحيحين من حديث الشفاعة المشهور: فيقول بعض الناس: أبوكم آدم فيأتونه فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك.
وفي رواية عند البخاري: أنت أبو الناس، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء.
وفي رواية عند مسلم: أنت آدم، أبو الخلق، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه.
والآية المذكورة في السؤال: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران: 59] هي الأخرى تدل على ذلك؛ فهي نص في خلق آدم من تراب، وأنه خُلِق منه خلقا مباشرا بالأمر الإلهي (كن) من غير تسلسل، أو تناسل من خلق بشري قبله! وفي هذا بيان لطلاقة القدرة الإلهية، ولذلك مُثِّلَ به خلق عيسى الذي تحير فيه بعض الناس، وجعلوا عيسى من أجله ابنًا لله! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: يقول تعالى: {إن مثل عيسى عند الله} في قدرة الله تعالى حيث خلقه من غير أب {كمثل آدم} فإن الله تعالى خلقه من غير أب ولا أم، بل {خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} والذي خلق آدم قادر على خلق عيسى بطريق الأولى والأحرى. اهـ.
وقال الواحدي في الوجيز: قوله: {عند الله} أَيْ: في الإنشاء والخلق، وتَمَّ الكلام عند قوله: {كمثل آدم}. ثمَّ استأنف خبراً آخر من قصَّة آدم عليه السَّلام فقال: {خلقه من تراب} أَيْ: قالباً من تراب {ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ} بشراً {فَيَكُونُ} بمعنى فكان. اهـ.
وهنا ننبه على أن سبب إشكالات بعض الناس في هذه القضية وعلاقتها بالتطور هو قصور الفهم، سواء في فهم نظرية التطور وأبعادها العلمية والعقدية، أو في تعيين معاني التطور وما يُقبل منها وما يُردّ، أو في فهم الأدلة الشرعية المتعلقة بهذا الباب، وتأويلها تأويلا فاسدا، وحملها على غير المراد منها.
وتفصيل ذلك لا يتناسب مع مجال الفتوى الذي نحن فيه، ولذلك ننصح الأخ السائل بقراءة كتاب (التطور الموجه بين العلم والدين) للدكتور هشام عزمي.
والله أعلم.