السؤال
أنا شخص ملتزم بالصلاة والصوم، والحمد لله. أعيش في بلاد الغرب حيث الفتن الكثيرة -والعياذ بالله- لي أحد الأصدقاء -هداه الله- يشرب الحشيش، ذات مرة وأنا بجانبه أصر علي بتجربتها؛ فأخذت منه شرفتين. وأنا لا أدخن وليست لي أي صلة بكل حرام لا من قريب ولا من بعيد.
فما حكم تدخين الحشيش مع الصلاة: هل صحيح أن صلاتي غير مقبولة لمدة أربعين يوما؟
وهل حكمها حكم شارب الخمر؟
لم أكن أعلم بهذا كله، ولكن حرصي على العبادة جعلني أبحث في هذا الموضوع.
وما هو حكم التدخين على المصلين أيضا؟
أفيدوني -جزاكم الله خيرا- وخصوصاً أن رمضان على الأبواب، ولا أريد أن لا تقبل صلاتي لفعل أغراني به الشيطان بدون دراية.
جزاكم الله خيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك أيها السائل أولا التوبة إلى الله -تعالى- مما فعلت من تعاطي تلك المخدرات، كما يجب عليك الحذر والبعد عن صحبة ذلك الفاسق، فإنك في هذه المرة إن كنت تعاطيت شيئا يسيرا من المخدرات، فلربما تأخذ منها الكثير بعد ذلك ثم تنتقل إلى الإدمان، فالحذر الحذر من صحبته.
وقد جاء الشرع بالتحذير من صحبة رفقاء السوء، وانظر لهذا الفتوى: 249142، والفتوى: 216487.
وأما الصلاة مع تعاطي المخدرات، فمن حيث الصحة وسقوط المطالبة بها، فصلاتك صحيحة بشرط أن تكون واعيا أثناء أداء الصلاة، ولم تصل إلى حد السكر.
وإن كنت صليت وأنت سكران، فصلاتك باطلة، وتلزمك إعادتها، وانظر الفتوى: 212998، عن صلاة السكران بين الصحة والبطلان.
وأما من حيث القبول: فمتعاطي الحشيش يلحقه وعيد شارب الخمر في عدم قبول الصلاة أربعين يوما.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في مجموع الفتاوى: وَمَنْ ظَهَرَ مِنْهُ أَكْلُ الْحَشِيشَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ شُرْبُ الْخَمْرِ؛ وَشَرٌّ مِنْهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ؛ وَيُهْجَرُ وَيُعَاقَبُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا يُعَاقَبُ هَذَا؛ لِلْوَعِيدِ الْوَارِدِ فِي الْخَمْرِ؛ مِثْلَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا؛ وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا؛ وَحَامِلَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا}، وَمِثْلُ قَوْلِهِ: {مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا؛ فَإِنْ تَابَ؛ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ؛ فَإِنْ عَادَ وَشَرِبَهَا لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا؛ فَإِنْ تَابَ؛ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ؛ وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَهَا لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا؛ فَإِنْ تَابَ؛ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ؛ وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَهَا فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ؛ وَهِيَ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ}. اهــ.
وقال أيضا: والسكران بِالْخمرِ والحشيش إِذا علم مَا يَقُول، فَعَلَيهِ الصَّلَاة بعد غسل فَمه وَمَا أَصَابَهُ. وَهل عَلَيْهِ أَن يستقيء مَا فِي بَطْنه؟ على قَوْلَيْنِ للْعُلَمَاء، أصَحهمَا لَا، لَكِن إِذا لم يتب فقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من شرب الْخمر لم تقبل صلَاته أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَإِن تَابَ؛ تَابَ الله عَلَيْهِ، وَإِن عَاد فِي الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة كَانَ حَقًا على الله أَن يسْقِيه من طِينَة الخبال، وَهِي عصارة أهل النَّار. اهــ.
وقد بينا في الفتوى: 24603 أن صلاة متعاطي المخدرات كصلاة السكران من حيث الوعيد بأنها لا تقبل أربعين صلاة، كما بينا أن المراد بعدم قبول صلاة شارب الخمر أربعين صباحا هو أنه لا يثاب على صلواته ثواب أهل الرضا والإكرام، لا نفي مطلق الثواب، كما سبق في الفتويين: 76364 - 379498.
كما بينا أيضا في الفتوى: 452845 أن هذا الوعيد لا يلزم أن يتحقق، فقد يتجاوز الله عن العبد، ويتفضّل عليه، فلا يعاقبه بما توعده به.
وأما صلاة المدخن، فمن المعلوم أن التدخين محرم؛ لما فيه من الضرر وتبذير المال، ولكن لا أثر للتدخين على صلاة المدخن من حيث عدم الصحة؛ لأن الدخان ليس من المسكرات، وشربه ليس من نواقض الوضوء، فصلاة المدخن صحيحة مع إثم التدخين.
والله أعلم.