السؤال
جزاكم الله خيرا كثيرا.
سؤالي عن كيفية قضاء الصلوات الفائتة. الحمد لله وبفضل الله، انتظمت في الصلاة، بعد أن كنت غير منتظم فيها، لكنني غير قادر على تحديد منذ متى تركتها، ولا كم كان عمري حينها. أصلي منذ كنت صغيرا بفضل الله، مرت علي فترة لم أكن منتظما في الصلاة، لست قادرا على تحديدها. كيف أكفر عن ذلك؟
حاليا أصلي الفروض والسنن، وأصلي يومين من الأيام التي فاتتني بفضل الله.
هل يجب علي أن أفعل شيئا آخر. مع العلم أني مثلا أحس بتأنيب ضمير؛ لأني أتفرج على مباراة في غير أوقات الصلاة، فأقول: إن هذا الوقت ينبغي أن أقضي فيه صلوات.
إذا كان على إنسان صلوات ونوى أن يقضيها، وبدأ في قضائها، ثم توفي. فما مصيره؟ وهل سيحاسب على الصلوات الفائتة؟
بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن ترك الصلاة متعمداً، فقد اختلف أهلُ العلم في حكم قضائها هل يجبُ أو لا؟ بعد اتفاقهم على أن تاركها آثمٌ إثماً عظيماً لا بُدَّ له من التوبة النصوح.
وهذه المسألة من المضايق، كما قال الشوكاني -رحمه الله- في كتابه (نيل الأوطار).
ومذهبُ الجمهور ومنهم الأئمةُ الأربعة هو وجوبِ قضائها. ومن حُجتهم عموم قوله صلى الله عليه وسلم: فدينُ الله أحقُ أن يقضى. متفق عليه. قالوا: والصلاةُ دينٌ فلا تبرأ الذمة إلا بقضائه.
واستدلوا كذلك بقياس الأولى على قضاء النائم والناسي، قالوا: فإذا كانا يقضيان مع ثبوت العذر، فالعامدُ غير المعذور أولى أن يلزمه القضاء.
وذهبَ جماعةٌ من السلف وأهل الظاهر، واختاره شيخ الإسلام ابنُ تيمية وجمعٌ من مجتهدي العصر إلى أنه لا يلزمه قضاؤها، بل لا يُشرع له، ولا يمكنه تدارك الصلاة إذا فات وقتها أصلا، واستدلوا بقوله تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا {النساء:103 }.
قالوا: فكما لا يصحُ فعلها قبل الوقت ولا تكون مقبولة، فلا يصحُ كذلك فعلها بعد الوقت، وكالحج لا يصحُ في المحرم.
قالوا والقضاءُ لا يجبُ إلا بأمرٍ جديد؛ لقولِ عائشة رضي الله عنها: فنؤمرُ بقضاءِ الصوم، ولا نؤمرُ بقضاء الصلاة. متفق عليه. وقد ورد الأمرُ في حق النائم والناسي، فبقي العامدُ على الأصل وهو عدم لزوم القضاء حتى يأتيَ خلافه.
واستدلوا كذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: من أحدثَ في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد. متفقٌ عليه.
قالوا: والصلاة بعد الوقت ليست من أمره صلى الله عليه وسلم، فتكونُ ردا.
وقد أطال ابن القيم النفسَ جدا في سوق أدلة الطائفتين، ورجح القول بعدم القضاء في كتاب: الصلاة، فراجعه إن شئت.
إذا علمت هذا، فاعلم أن المفتى به عندنا هو لزوم القضاء، وعليه فالذي يلزم هذا الشخص هو أن يحسب ما فاته من صلوات ثمَّ يقضيها حتى يغلب على ظنه أنه أبرأ ذمته، وذلك حسب الطاقة.
ومن كان تاركا للصلاة ثم تاب توبة نصوحا وشرع في قضاء ما تركه من الصلوات على الوجه المأمور به، ثم توفي في أثناء ذلك، فالذي يقتضيه لطفُ الله تعالى بعباده، وقربُ رحمته من التائبين المحسنين، هو أنه سبحانه تعالى يغفر له ويمحو عنه ذنبه ولا يحاسبه على ما بقي من الصلوات التي لم يقضها، لأن العبد فعل ما يقدر عليه من التوبة والشروع في القضاء، ولم يمنعه من إكماله إلا مباغتة الموت التي لا يستطيع دفعها، ومعلوم أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وهو تعالى غفور رحيم، وقد وعد عباده أنه يقبل التوبة عنهم ويعفو عن سيئاتهم، وأن ذنوبهم مهما كانت عظيمة فإنه يغفرها لهم إذا تابوا منها وصدقت توبتهم: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .{الزمر:53}.
والله أعلم.