السؤال
جدي -رحمه الله- له بيت كبير، بفضل الله. وفي هذا البيت تسكن زوجته، وابن له -وهو عمي- مع زوجته وأولاده. واثنتان من بنات جدي -وهما عمتاي-. طبعا جدي توفي -رحمه الله- لكن قبل أن يتوفى قررت أن أهاجر من البلد الذي كنت أسكن فيه إلى بلدي؛ لكي أسكن مع جدي -دون أن أستأذن جدي-، وقد أعطوني غرفة في الطابق الثاني من البيت. وإلى الآن بقيت هذه الغرفة تعرف بأنها غرفتي، وأنا غير ساكن معهم، ولكن بقيت الغرفة كأنها غرفتي، فيها كتبي، وفيها ملابسي، والجميع يعرف هذا. وإذا ذهبت إلى بيت جدي، فإني أنام هناك.
أريد أن أسأل إن كنت ظالما لأحد باتخاذ هذه الغرفة دون سائر أولاد أعمامي أو عماتي، علما أنه لم يشتك أحد منهم؟ وما الذي عليَّ فعله؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالغرفة والبيت كله ملك للورثة بعد وفاة جدك، إن شاءوا استغلوا تلك الغرفة، وإن شاءوا تركوها لك لتسكنها عند مجيئك.
وتركهم الغرفة لك لتسكنها عند مجيئك، نرجو أن يكون دليلا على موافقتهم ورضاهم بذلك، إذ لو شاءوا لاستغلوها.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: السُّكُوتَ فِي مَعْرِضِ الْحَاجَةِ بَيَانٌ، وَذَلِكَ إِذَا صَاحَبَتْهُ قَرَائِنُ، وَظُرُوفٌ بِحَيْثُ خَلَعَتْ عَلَيْهِ ثَوْبَ الدَّلاَلَةِ عَلَى الرِّضَا. اهــ.
وإن علمت أنهم امتنعوا من استغلالها حياء منك مع حاجتهم إليها، أو رغبتهم في إخراجك منها. فينبغي لك أن تُخْليها لهم، فإن ما أخذ بسيف الحياء لا يحل للآخذ.
قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى: وَقَدْ صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ فِي الْمُهْدِي حَيَاءً، وَلَوْلَا الْحَيَاءُ لَمَا أَهْدَى. أَوْ خَوْفَ الْمَذَمَّةِ وَلَوْلَا خَوْفُهَا لَمَا أَهْدَى، بِأَنَّهُ يَحْرُمُ أَكْلُ هَدِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَح بِهَا فِي الْحَقِيقَةِ. وَكُلُّ مَا قَامَتْ الْقَرِينَةُ الظَّاهِرَةُ عَلَى أَنَّ مَالِكَهُ لَا يَسْمَحُ بِهِ، لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ. اهــ.
وقال أيضا: أَلَا تَرَى إلَى حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَنْ أُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى سَبِيلِ الْحَيَاءِ مِنْ غَيْرِ رِضَا مِنْهُ بِذَلِكَ، لَا يَمْلِكُهُ الْآخِذُ. وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ فِيهِ إكْرَاهًا بِسَيْفِ الْحَيَاءِ، فَهُوَ كَالْإِكْرَاهِ بِالسَّيْفِ الْحِسِّيِّ، بَلْ كَثِيرُونَ يُقَابِلُونَ هَذَا السَّيْفَ وَيَتَحَمَّلُونَ مِرَارَ جُرْحه، وَلَا يُقَابِلُونَ الْأَوَّلَ خَوْفًا عَلَى مُرُوءَتِهِمْ وَوَجَاهَتِهِمْ الَّتِي يُؤْثِرُهَا الْعُقَلَاءُ، وَيَخَافُونَ عَلَيْهَا أَتَمَّ الْخَوْفِ. اهــ.
وراجع الفتويين: 36315 - 53514.
والله أعلم.