السؤال
أنا رب عائلة عندي ولد وبنت، أجد صعوبة مع عائلتي، وأصهاري، في القرب منهم، يختلقون المشاكل، وإذا ابتعدت عنهم قاطعوني.
وكثرة المشاكل أثرت على علاقتي بزوجتي (لأن إخوانها، وحتى أمها يؤذونها، إذا زاروها، أو زارتهم، رغم أن لها أخوين ملتزمين،
أحدهما إمام )
لهذه الأسباب هاجرت أنا، وعائلتي إلى مدينة بعيدة، تخفيفا للمشاكل، وحتى زياراتنا لهم تكون قليلة.
السؤال هو: لهذه المشاكل، والأمور الأخرى، أصبحت عائلتي تخاف من تكوين علاقات مع الناس (علاقاتهم تكون في إطار المدرسة، أما الزوجة فلها صديقة في المدينة القديمة ) وأنا لا أعرف ما العمل؟ فالعيش من دون عائلة، ليس بالعمل المستحسن، لا دينيا، ولا دنيويا، خاصة للأولاد.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد حث الشرع على أن يكون المسلمون على أحسن حال من الألفة، والمودة، قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {الحجرات:10}، وثبت في الصحيحين عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر، والحمى .
ويتأكد مثل هذا في حق من بينهم رحم أوجب الله -عز وجل- صلتها، وحرم قطيعتها، قال سبحانه: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا {النساء:1}، نقل الطبري في تفسيره عن السُّدِّي أنه قال في تفسيرها: اتقوا الله، واتقوا الأرحام، لا تقطعوها... انتهى.
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ من خلقه، قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك، قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاقرءوا إن شئتم {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم}.
فنوصي أولا بكثرة الدعاء، والتضرع إلى الله تعالى، وسؤاله أن يصلح الحال، فهو السميع المجيب، وهو على كل شيء قدير، وكل أمر عليه يسير، قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186}.
ثانيا: بذل النصح لهؤلاء الناس، وتذكيرهم بالله تعالى، وبهذه الرحم التي جعلها الله بينهم، وينبغي أن يتدخل العقلاء، والفضلاء من الأقارب، وغيرهم ليصلحوا، فالصلح خير، والإصلاح بين المتخاصمين من أفضل القربات، وأجل الطاعات، قال المولى تبارك وتعالى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:114}، وروى أحمد وأبو داود عن أبي الدرداء- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام، والصلاة، والصدقة ؟ قالوا: بلى يارسول الله، قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة.
ثالثا: اجتهد في أن لا يكون لهذه المشاكل أثر سيء على علاقتك مع زوجتك، واستقرار أسرتك، بل استشعر أن هذا ابتلاء، وتسلَّ عنه بالصبر، وتشاغل بالذكر؛ ليقوى قلبك، وتهدأ نفسك، وراجع الفتوى 18103، ففيها بيان فضائل الصبر، والفتوى 95545، فقد ضمناها بعض فوائد الذكر.
رابعا: الإنسان مدني بطبعه، يحتاج إلى مخالطة الناس، والتعامل معهم، وإنشاء علاقات بينه وبينهم، ولا ينبغي أن يكون ما حدث لزوجتك من عائلتها مانعا من أن تكون زوجتك على علاقة مع بعض النساء، ولتتحر الصالحات منهن، وليكن بينكم وبين بعض الأسر المستقيمة شيء من التواصل؛ فهذا مما يعين على تحمل الصعاب، وتخفيف الآلام.
والله أعلم.