السؤال
وهبت لي أختي منزلها، فحزته، وأردت أن أحتفظ به في حياتي، لأنه ليس لي مكان آخر أسكن فيه أنا وأمي، لكنني أردت أخذه بمقابل وبالإلحاح عليها أن يكون لها ولورثتها بعد موتي، لتجد مسكنا إذا عادت نهائيا لبلدها، فقبلت شرطي، فأردت أن أوصي به لأولدها، لكن بما أن لهم جنسية أخرى، فالقانون في بلدي لا يقبل أن يتملكوا أي عقار، لذلك قرأت أن هناك قولا يخص العمرى ينص على أن الواهب إذا قال: هي عُمْرَى لك وَلِعَقبك، كانت الرقبة ملكًا للمعمر، فإذا لم يذكر العقب عادت الرقبة بعد موت المُعْمَر للمعمِر، أو لورثته، وبه قال داود، وأبو ثور، فاتبعت هذا القول، وحررت إقرار دين بهذا المنزل، يخولها المطالبة به بعد وفاتي، وحينها ترجع إليها الملكية مع بقاء أمي فيه حتى وفاتها، وعندها تحوزه أختي كاملا، لأن القانون في بلدي لا يصحح شرط العمرى، مع العلم أن أختي ترثني، فهل ما فعلته جائز شرعا؟ وإن كان غير جائز، فأرجو إفادتي بحل شرعي بديل سوى إرجاعه لها في حياتي، يمكنني من إرجاع المنزل لها؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقول الذي نقلته السائلة واعتمدت عليه - وهو قول الظاهرية - لا يفيد ما ترغب في تحقيقه، وليس له علاقة بما تريده! بل هو عكس الواقع المذكور في السؤال! فالسائلة تريد بعد موتها أن يعود هذا البيت لأختها، وأما العمرى والرقبى: فهي تمليك عاجل، لا مؤجل، ولا معلق بالموت، فالمُعمِر يعجل هبة المنفعة في الحال، ويؤجله -أي يجعل له أجلا- أو يؤقته بموت المُعمَر، وأما الموصِي فهو يؤجل، أو يعلق تمليك الشيء الموهوب بموت نفسه، ولذلك سبق أن نبهنا السائلة على أن الموهوب له إذا قبض الهبة وصارت ملكه، فأراد رد المنزل بعد موته للواهب، كانت وصية، لا عمرى، وذلك في جواب سؤالها السابق في الفتوى: 471079.
قال ابن رشد في بداية المجتهد: هبات المنافع منها ما هي مؤجلة، وهذه تسمى عارية ومنحة وما أشبه ذلك، ومنها ما يشترط فيها ما بقيت حياة الموهوب له، وهذه تسمى العمرى، مثل أن يهب رجل رجلا سكنى دار حياته، وهذه اختلف العلماء فيها على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها هبة مبتوتة: أي أنها هبة للرقبة، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة، والثوري، وأحمد، وجماعة.
والقول الثاني: أنه ليس لِلْمُعْمَرِ فيها إلا المنفعة، فإذا مات عادت الرقبة لِلْمُعْمِرِ، أو إلى ورثته، وبه قال مالك وأصحابه، وعنده أنه إن ذكر العقب عادت إذا انقطع العقب إلى المعمر، أو إلى ورثته.
والقول الثالث: أنه إذا قال: هي عمري لك ولعقبك، كانت الرقبة ملكا لِلْمُعْمَرِ، فإذا لم يذكر العقب عادت الرقبة بعد موت الْمُعْمَرِ لِلْمُعْمِرِ، أو لورثته، وبه قال داود، وأبو ثور. اهـ.
وعلى ذلك، فقد كان المناسب أن أخت السائلة تعمرها البيت، على مذهب المالكية المشهور في بلاد المغرب، فيكون للسائلة منفعة البيت مدة حياتها دون تملك الرقبة، فإذا ماتت عاد البيت إلى أختها.
وعلى أية حال، فما دام البيت الآن ملكا للسائلة، وهي تريد أن تملكه لأختها، فلا نعلم وجها شرعيا لتعليق ذلك بالموت، لأنه سيكون في حكم الوصية، والوصية لا تجوز لوارث، ولا بأكثر من الثلث.
والله أعلم.