الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إذا صُرِفت الهبة في غير ما اشترطه الواهب

السؤال

أنا غير متزوجة، وعمري 40 عامًا، ولديّ عمل، وأعيش بمفردي بعيدًا عن عائلتي، وأتكفّل بكافة نفقات حياتي وحدي، وقد أصبت منذ فترة بمرض شديد، وطلب مني الأطباء فحوصات تحتاج إلى مبالغ مالية كبيرة لا أمتلكها، ورفض أبي المساعدة رغم أنه ثريّ جدًّا، ولا أعلم من أخبر خالي بذلك؛ ففوجئت به يخبرني أنه يعرف مرضي، ورفض والدي لمساعدتي، وأنه يخشى أن أفقد بصري من تبعات مرضي، أو يحدث ما هو أسوأ، وأن خالي سيعطيني المال لإجراء هذه الفحوصات بدل والدي، فهو ميسور الحال، وأصرّ على ذلك، لكني رفضت، وأخبرته بالحرف الواحد أنني لن أقبل هذا المال؛ لأنني لا أستطيع ردّه، فقال لي: ومن قال لك: إنني أريد أن تردّيه؟ لا تردّيه، وغضب، وأصرّ على أخذي للمال، فأخذته، ولكني لم أسافر كما كان مخططًا لإجراء الفحوصات، وتصرّفت في المال لأستطيع تسيير أموري المعيشية، وأخبرت أمّي بما حدث، وبصرفي مال خالي، فلامتني، ولكنها تفهّمت الموقف، وبعد فترة سأل خالي إحدى قريباتي عن سفري لإجراء الفحوصات، فأخبرته هذه القريبة بكل شيء، وأنني صرفت الأموال؛ فغضب خالي، وطالبني بردّ الأموال؛ فأخبرته أني لا أمتلكها، ولا أستطيع ردّها، وأني أخبرته بذلك ابتداء، وأنه قال: لا تردّيها، فسكت، وبعد فترة كان لأمّي ميراث عند خالي هذا بعد وفاة جدّتي، فاقتطع خالي جزءًا من مال ميراث أمّي مساوٍ للمبلغ الذي أخذته أنا من نفسه دون أخذ موافقة أمّي أو سؤالها، وأمّي غاضبة بسبب ذلك، وتلومني، فما ذنبها هي لتسدد مالًا أخذته أنا بهذه الطريقة؟ أما قريبتي التي تبرّعت وأخبرت خالي في السابق، فتدافع عن تصرّف خالي، وتقول: إن خالي لم يخطئ، وأن من حقهّ أن يستقطع هذا المال، فهو غير ملزم بصرف أمواله عليّ، وأنها مسؤولية والدتي أن تردّ المال عني، طالما أنها تمتلك مالًا، ولو كان الرد بهذه الطريقة، رغم أنني لم أكن أبدًا لأوافق على أخذ المال منذ البداية إلا بسبب قوله: إنني غير ملزمة بردّه، فأنا أعلم قدراتي المادية، وأنني غير قادرة على ردّ مبلغ كهذا أبدًا، فهل المبلغ دَين عليّ، رغم أن الاتفاق من البداية على عدم ردّه؛ لأني صرفته في غير ذهابي للطبيب؟ وكيف التصرّف بين أمّي وخالي؟ وهل تصرّف خالي صحيح وأنه دَين أم إن شرطي الأول بعدم ردّه، وإلا لن أقبله يسقطه كدين، ويعد هدية أو هبة، حتى لو صرفته في غير السبب الذي أعطي لي من البداية؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمن أُعطي مالًا لغرض معين، وجب عليه صرفه فيه، ولا يجوز له التصرّف فيه في غير ذلك، إلا بإذن المعطي؛ لأن شرط الواهب معتبر شرعًا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم. رواه أبو داود، وغيره.

وفي الموطأ: أن القاسم بن محمد قال: ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في أموالهم، وفيما أعطوا، قال يحيى: سمعت مالكًا يقول: وعلى ذلك الأمر عندنا. اهـ.

فإن صرف المال في غير ما وهب لأجله؛ فيعدّ دَينًا في ذمّته حتى يردّه لصاحبه، أو يأذن له في التصرّف فيه.

وراجعي الفتاوى: 492919، 473332، 33684.

وعليه؛ فالمال الذي أعطاك إيّاه خالك من أجل العلاج، وصرفته في أمورك المعيشية؛ يعدّ دَينا عليك، يلزمك سداده، أو طلب السماح منه؛ إذ اشتراط صرفه في العلاج ظاهر من منطوق خالك، ومن حاله.

وأما الاتفاق بينكما على عدم ردّ المال؛ فالظاهر أن ذلك في حال صرف المال في العلاج، لا مطلقًا، إلا إن تمّ التصريح بذلك.

فإن عجزت عن السداد؛ فيجب عليه أن يُنظِرك حتى تجدي ما توفين به هذا الدَّين، كما هو مبين في الفتوى: 138278.

ولا يجوز لخالك أن يقتطع من ميراث والدتك قدر هذا الدَّين دون إذنها؛ إذ لا يلزمها شرعًا سداد دَينك، إلا إن تبرّعت بذلك.

وراجعي الفتوى: 423361.

ولمعرفة حكم سكن البنت منفردة عن أهلها، راجعي الفتويين: 374584، 420220.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني