السؤال
هل أنا مأمور بالصحبة الصالحة؟ وهل تتعدى الصحبة الصالحة حيز الاستحباب إلى حيز الوجوب؟ وماذا أصنع إن لم أجد الصحبة الصالحة التي تعينني، وتحثني على طاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-؟
فأنا مقبل العام القادم على الدراسة في جامعة مختلطة، بحكم أنه في بلدي لا توجد جامعات تنصاع لشرع الله، وتحرم الاختلاط، فماذا أفعل؟
وكيف أتصرف مع البنات غير المتحجبات، والمتبرجات؟ حيث إنه وارد جدا أن يكلمنني دون أن أدعوهن إلى ذلك، وأخاف إن فعلت أن أقع في الحرام من نظر أو حديث، فهل أتجاهلهن؟ وإن فعلت، ألا يعتبر ذلك قلة أدب؟
أرجو منكم أن ترشدوني على طريقة أسير وفقا لها في تعاملي مع النساء المتبرجات في الجامعة، ومع الأساتذة أيضا، حيث سأدرس عند مدرسات غير محتشمات للأسف.
وختاما أرجو الدعاء لي عن ظهر الغيب بإيجاد رفقة صالحة.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، وأن ييسر لك أصدقاء مستقيمين يعينونك في أمر دينك ودنياك، ونوصيك بكثرة الدعاء، فالرب كريم، وهو سبحانه سميع مجيب الدعاء، ولا شك في أهمية الصحبة الصالحة، وأنها مطلوبة شرعًا، فنصوص الشرع قد جاءت حاثَّة عليها، دالَّة على فضلها، قال تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ {الزخرف:67}.
وروى أحمد، وأبو داود، والترمذي، عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.
قال بدر الدين العيني في عمدة القاري: فيه النهي عن مجالسة من يتأذَّى بمجالسته: كالمغتاب، والخائض في الباطل، والندب إلى من ينال بمجالسته الخير: من ذكر الله، وتعلم العلم، وأفعال البر كلها... انتهى.
فدل ذلك على أن الأمر في الحديث للاستحباب لا للوجوب، ولكن مهما أمكن المسلم أن يتخذ صاحبًا صالحًا فليفعل، ليعينه إذا ذكر، ويذكره إذا نسي، ويكون سببًا للحيلولة دون وقوعه في حبائل الشيطان.
جاء في شعب الإيمان للبيهقي عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: عليك بإخوان الصدق، فكثر في اكتسابهم، فإنهم زينة في الرخاء، وعدة عند عظيم البلاء.
والاختلاط المعهود في كثير المؤسسات التعليمية اليوم اختلاط محرم، وباب إلى الفتنة والفساد، والأصل وجوب تجنب أماكن الاختلاط المحرم في الجامعات، وفي غيرها، لكن إذا دعت لذلك ضرورة، أو حاجة شديدة، فلا حرج حينئذ لمن يغلب على ظنه أمن الفتنة، واجتناب أسبابها حسب استطاعته، فيجتنب مجالسة المتبرجات، ومحادثتهن، ونحو ذلك، وإن دعت حاجة للحديث مع إحداهن -طالبة كانت أم معلمة-؛ فلا حرج في ذلك للحاجة، مع مراعاة الضوابط الشرعية، وليقتصر وجود الطالب في الجامعة بقدر الحاجة، وينصرف بعدها، وانظر للمزيد الفتوى: 5310.
وإذا ترك المسلم محادثة الفتيات المتبرجات خوف الفتنة، فليس ذلك من سوء الأدب، بل هو عين الأدب، وعلى المسلم أن لا يحابي في دينه أحدًا، فهو من أغلى ما يملك.
روى الترمذي عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس، ومن أسخط الناس برضا الله كفاه الله مؤونة الناس.
قال المناوي في فيض القدير: أي لما رضي لنفسه بولاية من لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا وكله إليه، ومن أسخط الناس برضى الله... لأنه جعل نفسه من حزب الله، ولا يخيب من التجأ إليه، أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. اهـ.
والله أعلم.