السؤال
هل من الممكن أن أعرف كيف أتصرف مع والدي؟ لا أريد أن أكون عاقة، وأمي هي نور عيني، ودائما تتفهمني، وتحترمني، وتحبني، وأخدمها بحب، ولا أقبل من أحد أن يغضبها. لكن أبي يهين أي حد، ويكسره، ويجعله يموت من الغضب.
منذ طفولتي وأنا دائما أراه يهين أمي بالكلام، ويغضبها جدا، ويقول لها أقسى الكلام، وهي لم تقصر معه، وطيلة حياتها ترغب في أن تنفصل عنه، وتسكت من أجلنا....
هو عنده غرور، ويغتاب كل الناس، ولا يهتم بنظافته الشخصية، وكلما تدخلت أنا أو أختي، وحاولنا أن ننصحه، ونُفهمه أن هذا غير صحيح، وأننا نريد أن يكون بيتنا هادئا، وأن نتفاهم؛ يصفنا بالعقوق، وأنه لا يليق أبدا أن نجعله يشعر أنه على خطأ مهما فعل فينا، لأنه أب، وله الحرية في كل ما يفعل، وفي نهاية كل نقاش يقول إننا تحت نعله، وأننا لا شيء، وأن له أن يفعل فينا، ويقول لنا ما يشاء.
قولوا لي ما هو المفروض في التعامل معه، فكلامه يسبب لي انهيارا، ويغضبني جدا، وأخاف على أمي أن يحدث لها شيء، وآخذ علاجا نفسيا بسببه؟ وكيف أسمع وأرى كل هذا طول حياتي، وأظل ساكتة، ولو تكلمت أكون عاقة؟
أرجوكم قولوا لي طريقة أعيش بها دون إثم بسببه، ودون أن أعتبر عاقة؟
والله إنني غير قادرة على تحمله، وكلما حاولت التقرب منه يكسرني بكلامه، وأفعاله، ويرى أنه غير مطلوب منه غير الإنفاق علينا فقط، كنت أتمنى أنه يكون مثل أمي، ويعينني على طاعته وحبه....
أخاف أن يتقدم لي شخص ويرى شخصيته، لأنني سأموت من الإحراج، وأخاف أن يبتليني ربي في أولادي، بسبب أنني لا أحبه، وأتشاجر معه حتى لا يقول لي كلاما قاسيا.
ساعدوني بالله عليكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنلبدأ بما ختمت به سؤالك من قولك: وأتشاجر معه حتى لا يقول لي كلاما قاسيا. فهذا التصرف منكِ هو عين ما تخشين الوقوع فيه -وهو العقوق- والذي هو ذنب عظيم، ومن أسباب سخط رب العالمين. فالوالد مهما أساء، وظلم، لا يجوز مقابلة إساءته بإساءة، بل من حقه بره، والإحسان إليه، وإن جار، وظلم، فإنه يبقى والدا على كل حال، وراجعي مزيدا من التفصيل في فتوانا: 299887.
ونصحكِ لوالدكِ أمر طيب، ولكن ينبغي أن يكون برفق ولين، فإن استجاب فذاك، وإلا فلتتركيه.
جاء في كتاب الآداب الشرعية لابن مفلح: فصل: في أمر الوالدين بالمعروف، ونهيهما عن المنكر. وقال في رواية حنبل: إذا رأى أباه على أمر يكرهه، يعلمه بغير عنف، ولا إساءة، ولا يغلظ له في الكلام، وإلا تركه، وليس الأب كالأجنبي. انتهى.
والنصح مطلوب شرعا، لتحقيق أغراضه، لا الإتيان بالعكس، قال الله سبحانه: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى {الأعلى: 9}.
قال السعدي في تفسيره: فَذَكِّرْـ بشرع الله، وآياته: إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ـ أي: ما دامت الذكرى مقبولة، والموعظة مسموعة، سواء حصل من الذكرى جميع المقصود، أو بعضه.
ومفهوم الآية: أنه إن لم تنفع الذكرى، بأن كان التذكير يزيد في الشر، أو ينقص من الخير، لم تكن الذكرى مأمورًا بها، بل منهيًا عنها. انتهى.
ونوصيكِ بالصبر، والحرص على اجتناب كل ما يمكن أن يستفز والدكِ، ويدفعه للغضب، والتصرف غير اللائق، ومن أعظم بركِ به، وإحسانكِ إليه الدعاء له بصلاح الحال، والرجوع للرشد، والصواب. ويمكنكِ أن تسلطي عليه بعض من لهم وجاهة عنده، وترجين أن يستجيب لقولهم، ليناصحوه، ويسعوا في سبيل إصلاحه.
وإذا وجدتِ في قلبكِ شيئا من الكراهة له بسبب تعامله، فلا يلحقكِ إثم في ذلك؛ لأن الإنسان لا اختيار له في الأمور القلبية، قال الله تبارك وتعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب: 5}.
ومع ذلك احرصي على طاعته في المعروف.
والله أعلم.