السؤال
أنا طالب متزوج، وعندي طفل، وأدرس الدكتوراه في دولة أخرى، وقد حصلت على منحة مالية لاستكمال دراستي للدكتوراه.
أعطي لوالدي من منحتي المالية شهريا مبلغا من المال، علما أنه موظف متقاعد، ويستلم راتبه، وأدخر من منحتي المالية، وقد اقترضت مبلغا كبيرا من المال قيمة زواجي، ونصف المهر، وتزوجت، وقد ساعدني أبي بنصف المهر، علما أنني أرسلت له أضعاف المبلغ الذي ساعدني به.
ولدي أخوان أكبر مني، والوالد هو من دفع كافة تكاليف الزواج، وبنى لكل واحد منهما بيتا، والآن يطلب مني أن أدفع له ما دفعه لي في المهر، ليزوج به أخي، علما أن أخي موظف، ويستلم راتبا، وأنا لا أملك هذا المبلغ، ولكي أدفعه يجب علي أن أدخر من منحتي المالية على الأقل ثلاثة أشهر، وفي ذلك ضرر علي، لأنني سوف أتخرج قريبا، ولا أملك بيتا، ولا وظيفة، وعندي طفل عمره سنة، ومصروفاته كثيرة، علما أنه لم يطلب من إخواني أي مبلغ كالذي طلبه مني، فقلت له إنني لا أملك هذا المال، فلم يقتنع، بحجة أنني استطعت دفع تكاليف زواجي ونصف مهري، والآن رفضت إعطاءه المال، وهو الآن يدعو علي، ويسبون زوجتي، علما أنني مطيع له، ولا أعقه أبدا، وعند مرضه، أو مرض أحد إخواني أرسل لهم كل تكاليف العلاج، والذهاب إلى الدكتور، فماذا أفعل؟ وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجمهور العلماء على أن الوالد إذا كان في كفاية؛ فلا حقّ له في شيء من مال ولده دون رضاه. وذهب بعض أهل العلم إلى أنّ للوالد أن يأخذ من مال ولده ولو لم يكن محتاجا، بشرط ألا يجحف بمال ولده، وألا يأخذه ليعطيه لولد آخر.
قال ابن قدامة –رحمه الله- في المغني: وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء، ويتملكه مع حاجة الأب إلى ما يأخذه، ومع عدمها، صغيرا كان الولد، أو كبيرا، بشرطين:
أحدهما: أن لا يجحف بالابن، ولا يضر به، ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته.
الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر...
وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته. انتهى.
وعليه؛ فامتناعك من إعطاء والدك ما يطلبه من مالك، بسبب ما في إعطائه من المضرة عليك؛ ليس عقوقا له.
ونصيحتنا لك؛ أن تبرّ أباك، وتحسن إليه، وتعطيه من مالك ما لا يجحف بك.
وما عجزت عنه، فاعتذر منه، واستعمل الحكمة، والمداراة، والرفق.
واجتهد في استرضائه، واصبر عليه، فبر الوالدين من أفضل الأعمال التي يحبها الله، والصبر على ذلك من أعظم أسباب رضوان الله، ونيل معيته، وتوفيقه.
ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قَالَ: رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرب في سخط الوالد.
والله أعلم.