السؤال
كيف نوازن بين آية: وأما بنعمة ربك فحدث - وبين: لا تقصص رؤياك على إخوتك ـ وبين: لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة؟ ففي آية: لا تدخلوا من باب واحد ـ فسرها كثير من السلف كمجاهد، وابن عباس، ومحمد بن كعب، وقتادة، والضحاك، والسدي أنه: خشية من العين، والحسد- فكيف نحدث بنعم الله ومع ذلك نأخذ العبر من القرآن الكريم بالخشية من الحسد؟ وكيف نحدّث إذا كنا نخشى؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول الله تبارك وتعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ {الضحى:11} فيه الأمر بالتحدث بنعم الله تعالى، والاعتراف بها، شكرانا لله تعالى، وهذا مطلب شرعي، فقد روى الإمام أحمد، والطبراني، وغيرهما مرفوعا: التحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر.. والحديث حسنه الألباني.
وقال ابن العربي: إذا أصبت خيراً، أو علمت خيراً، فحدث به الثقة من إخوانك، على سبيل الشكر، لا الفخر والتعالي، وفي المسند مرفوعاً: من لم يشكر القليل، لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس، لم يشكر الله، والتحدث بالنعمة شكر، وتركها كفر... اهـ.
وأما آية سورة يوسف: فتحمل على مشروعية عدم التحدث بها عند من يخشى منه الضرر، فيشرع كتم النعم عنه خشية كيده، وإصابته بالعين، فقد جاء في أحكام القرآن للجصاص -4/ 380: قوله تعالى: لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا ـ علم أنه إن قصها عليهم حسدوه، وطلبوا كيده، وهو أصل في جواز ترك إظهار النعمة، وكتمانه عند من يخشى حسده، وكيده، وإن كان الله قد أمر بإظهاره، بقوله تعالى: وأما بنعمة ربك فحدث. اهـ.
وجاء في تفسير القرطبي -9/ 126: وفي هذه الآية دليل على أنه يباح أن يحذر المسلم أخاه المسلم ممن يخافه عليه، ولا يكون داخلا في معنى الغيبة، لأن يعقوب -عليه السلام- قد حذر يوسف أن يقص رؤياه على إخوته فيكيدوا له، وفيها ما يدل على جواز ترك إظهار النعمة عند من تخشى غائلته حسدا وكيدا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: استعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود..... اهـ.
والله أعلم.