السؤال
أشعر أن أبي غير راض عني، ولكنه لا يظهر ذلك لي في العلن، وقد حاولت سؤاله أكثر من مرة، لكنه ينكر أنه غير راض عني، وسبب شكي في عدم رضاه أنه يريد أن أكون مثله، وهو -بالطبع- ليس قدوة حسنة أقتدي بها، وقد أمرني بالكثير من الأمور التي لا أقدر على فعلها، ومن ضمنها أخذ راتبي، وتحريضه المستمر على إخوتي، ومحاولته التفريق بيننا بنقل الكلام الذي يقال بيننا، ولا أقول لك إنني إنسان جيد، لكنني أعلم أنه يدعو علي، فقد دعا علي بالفقر علنا -الله يفقرك- وأنا الآن فقير، فهل هذا بسبب دعائه؟
ملاحظة: أنا أتعامل معه بود، وهو أيضا يعاملني بود.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دمت قائما بحقّ أبيك محسنا إليه؛ فداوم على ذلك، واجتهد في برّه ابتغاء وجه الله، ولا تلتفت للهواجس التي تشعرك بعدم رضاه عنك، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الدعاء على الأولاد، ففي صحيح مسلم عن جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم:... لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء، فيستجيب لكم.
وكون دعاء أبيك عليك قد استجيب، أو لم يستجب؛ فهذا علمه عند الله تعالى، وقد ذكر بعض أهل العلم أنّ دعاء الوالدين على الأولاد لا يكون مجابا؛ إلا إذا كان بسبب عقوق الأولاد، وظلمهم لوالديهم، قال ابن علان في دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين:... ودعوة الوالد على والده، أي إذا ظلمه ولو بعقوقه. انتهى.
وقال المناوي: وما ذكر في الوالد محله في والد ساخط على ولده لنحو عقوق. انتهى.
والمرجو من كرم الله تعالى ألا يستجيب دعاء الوالد على ولده ساعة الغضب، كما قال تعالى: وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا {الإسراء:11}.
وقال: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ {يونس:11}.
قال ابن كثير: يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ حلمه ولطفه بعباده أنه لا يستجيب لهم إِذَا دَعَوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، أَوْ أَمْوَالِهِمْ، أَوْ أَوْلَادِهِمْ فِي حَالِ ضَجَرِهِمْ وَغَضَبِهِمْ، وَأَنَّهُ يَعْلَمُ منهم عدم القصد بالشر إِلَى إِرَادَةِ ذَلِكَ، فَلِهَذَا لَا يَسْتَجِيبُ لَهُمْ -وَالْحَالَةُ هَذِهِ- لُطْفًا وَرَحْمَةً، كَمَا يَسْتَجِيبُ لَهُمْ إذا دعوا لأنفسهم، أو لأموالهم، أو لأولادهم بِالْخَيْرِ، وَالْبَرَكَةِ، وَالنَّمَاءِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ـ الآية، أي لو استجاب لهم كلما دَعَوْهُ بِهِ فِي ذَلِكَ لَأَهْلَكَهُمْ، وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي الْإِكْثَارُ مِنْ ذَلِكَ. انتهى.
وعموما: فإنّ عليك تجديد التوبة، وكثرة الاستغفار، ففي صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه:… يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ.
قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- في جامع العلوم والحكم: الْمُؤْمِنُ إِذَا أَصَابَهُ فِي الدُّنْيَا بَلَاءٌ، رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ بِاللَّوْمِ، وَدَعَاهُ ذَلِكَ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ. انتهى.
والله أعلم.