السؤال
أعمل مع صديق ميسور منذ 8 سنوات، كمدير مزرعة كبيرة، مملوكة لأبيه وأعمامه، تم الاتفاق بيني وبينه على راتب شهري، وعلى مكافأة مالية سنوية، ومنذ حوالي 6 سنوات تم الاتفاق على زيادة راتبي الشهري، على أن أقبض نصفه شهريًا، والنصف الآخر يتم جمعه بصورة ربع سنوية، وقبضه كل ثلاثة أو أربعة أشهر، ومنذ ذلك الوقت لم أقبض باقي مستحقاتي الربع سنوية سوي مرة واحدة فقط، كما أني لم أحصل على مكافآتي السنوية أيضًا منذ ذلك الحين، ولي مبلغ مالي وضعته في العمل في عام 2018م (على سبيل التسليف المؤقت، وليس على سبيل الشراكة)، ولم أسترجعه كاملاً بعد.
طوال السنوات السابقة، كنت أطالب صديقي بمستحقاتي، فكان يلجأ للتسويف والمماطلة، مع العلم أنه خلال هذه الفترة كان بقية الموظفين يحصلون على مكافآتهم سنويًا، بل وكان يتم توزيع الأرباح على الشركاء دوريًا، وعندما أخبرت صديقي عن انهيار قيمة مستحقاتي، أخبرني بأنه سيتم تعويضي عن انخفاض قيمة تلك المستحقات.
الآن وبعد انهيار قيمة العملة المصرية بصورة كبيرة خلال الفترة الماضية. ما حكم الشرع في تعويضي عن فقدان قيمة أموالي المستحقة عليهم؟ وهل هذا التعويض أو الزيادة يعتبر ربًا محرمًا، أم هذا التعويض يجب على ملَّاك المزرعة؟ علمًا أن أحد الملَّاك قد توفاه الله منذ عام تقريبًا.
وهل يعتبر عدم تعويضي عن فقدان قيمة مستحقاتي ظلمًا لي وهضمًا لحقي؟ لأن العملة قد فقدت أربعة أضعاف قيمتها تقريبًا خلال تلك الفترة.
وإن كان تعويضي واجب على الملَّاك، فكيف يتم احتساب قيمة التعويض؟ هل يكون قياساً على سعر الذهب أم الدولار في وقت استحقاقي للأموال، ومطابقتهما بسعرهما الآن؟
أرجو التفضل بالإجابة عن أسئلتي، علمًا بأن تلك المستحقات هي كل ممتلكاتي في الحياة، وصديقي وشركاؤه أثرياء جدًا.
وشكرًا لكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالديون، والحقوق الثابتة في الذمة، الأصل أن تقضى بالمثل لا بالقيمة، وقد نص قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي رقم (42) المتعلق بشأن تغير قيمة العملة، على أن: العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما، هي بالمثل وليس بالقيمة، لأن الديون تُقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة -أيا كان مصدرها- بمستوى الأسعار. اهـ.
ولكن إذا انهارت عملة الدين، أو انخفضت قيمتها انخفاضًا كبيرًا، يحصل به غبن أو ضرر معتبر لصاحب الحق، فههنا اختلف أهل العلم: بماذا يقضى الدين أو الحق، بمثله أم بقيمته؟ والأظهر أن يراعى تغير القوة الشرائية للعملة أو قيمتها بالذهب.
وعلى هذا، فإن تراضى السائل مع أصحاب المزرعة على شيء يتصالحون عليه، فلا حرج، وإلا فتقدير ذلك يرجع فيه إلى القضاء، أو إلى التحكيم، كما سبق بيانه في الفتوى: 348040.
ولذلك جاء في القرار رقم (89) من قرارات المجمع: بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع قضايا العملة، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دلت على أن هناك اتجاهات عديدة بشأن معالجة حالات التضخم الجامح الذي يؤدي إلى الانهيار الكبير للقوة الشرائية لبعض العملات منها:
أ- أن تكون هذه الحالات الاستثنائية مشمولة أيضاً بتطبيق قرار المجمع الصادر في الدورة الخامسة، ونصه: العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل، وليس بالقيمة، لأن الديون تقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أياً كان مصدرها بمستوى الأسعار.
ب - أن يطبق في تلك الأحوال الاستثنائية مبدأ الربط بمؤشر تكاليف المعيشة (مراعاة القوة الشرائية للنقود).
ج - أن يطبق مبدأ ربط النقود الورقية بالذهب (مراعاة قيمة هذه النقود بالذهب عند نشوء الالتزام).
د - أن يؤخذ في مثل هذه الحالات بمبدأ الصلح الواجب، بعد تقرير أضرار الطرفين (الدائن والمدين) ... اهـ.
والله أعلم.