السؤال
أمي -حفظها الله لي- وقع عليها ظُلم من إخوانها، وأخواتها؛ لتحقيق مصالحهم الشخصية، وصبرت، ولم تظهر شيئا من الدفاع عن نفسها، وبعدها أيضا ظُلمت، و صبرت، وللمرة الثالثة وقع عليها الظُلم منهم، لكن أمي لم تستطع أن تصبر هذه المرة. ذهبت إليهم، وأخرجت كل ما كتمته في قلبها لهم، وبكت، كنت أول مرة أرى أمي بهذه الحالة كابنة، لا أعرف ماذا أفعل، حتى أخفف عنها، لم يكن لدي، إلا الدعاء. أمي قاطعتهم لمدة شهرين تقريبا، لكن بعدها خافت أمي من قطيعة الرحم، وأن لا يدخل الجنة قاطع رحم، حاولت أمي أن تتصالح معهم، لكنهم قابلوها بالرفض، وبكلام جارح، علما أنهم خلال هذين الشهرين لم يحاولوا أن يتم الصلح بينهم. لم يتصلوا، ولم يفعلوا شيئا للصلح، ومر شهر، وأمي قالت: إنها تود أن تذهب إليهم مرة أخرى؛ لأنها -فقط- خائفة من قطيعة الرحم، وأنا نصحتها أن لا تذهب؛ لأني لا أريدها أن تجرح، وتبكي، وتعود إلينا، وهي مكسورة. من يود، أو يرضى أن يرى أمه بهذه الحالة؟ وإلى هذه اللحظة، وإخوتها لا يريدون الصلح، والكل مستمر بالقطيعة. فهل ما فعلته من النصيحة لأمي بعدم الذهاب صحيح، وماذا تنصحون أن أفعل؟ وهل نعتبر قاطعتي رحم، رغم أننا حاولنا عدم القطيعة، ولم ننجح؟ أنا أريد أمي أن تبتعد عنهم؛ لأني لا أريدها أن تتأذى مرة أخرى منهم، هل ما أفكر فيه صحيح؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فصلة الرحم واجبة، وقطعها من كبائر المحرمات. وقد أحسنت أمّك بحرصها على صلة إخوتها رغم قطعهم لها؛ فصلة الرحم مطلوبة، ولو مع القاطع لها؛ ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا.
قال ابن بطال -رحمه الله- في شرح صحيح البخارى: يعني: ليس الواصل رحمه من وصلهم مكافأة لهم على صلة تقدمت منهم إليه، فكافأهم عليها بصلة مثلها. وقد روي هذا المعنى عن عمر بن الخطاب، روى عبد الرزاق، عن معمر، عمن سمع عكرمة يحدث عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب: (ليس الواصل أن تصل من وصلك، ذلك القصاص، ولكن الواصل أن تصل من قطعك). انتهى.
وأمّا نصيحتك لأمّك بعدم الذهاب إلى إخوتها، إن كان بغرض استمرار القطيعة، وعدم التواصل بينهم، فتصرف غير صحيح؛ والصحيح أن تعينيها على صلة إخوتها، وعليك أن تصلي أخوالك، وخالاتك بالمعروف. فإساءة الأرحام، وظلمهم؛ لا تسقط حقّهم في الصلة بالمعروف، مع التنويه إلى أنّ صلة الرحم ليست محصورة في الزيارة، ولكنّها تحصل بكل ما يعد في العرف صلة، بأي وسيلة مباحة.
جاء في إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين: وصلة الرحم، أي القرابة مأمور بها أيضا، وهي فعلك مع قريبك ما تعد به واصلا، وتكون بالمال، وقضاء الحوائج، والزيارة، والمكاتبة، والمراسلة بالسلام، ونحو ذلك. انتهى.
فعلى أمّك أن تصل إخوتها بالقدر، والكيف الذي يجنبها أذاهم، وراجعي الفتوى: 425998
وأبشري ببركة صلة الرحم، وأجرها العظيم، ففي الصحيحين عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: من سره أن يبسط له في رزقه، أو ينسأ له في أثره، فليصل رحمه. وإذا فعلتم ما عليكم من الصلة بالمعروف، وأصروا هم على القطع، فالإثم عليهم، وراجعي الفتوى: 414658
والله أعلم.