السؤال
عندي شقة أريد أن أشطبها، ولكن ليس لدي المال الكافي؛ فرأيت في أحد البنوك الإسلامية أنهم يقدمون عقود استصناع؛ فذهبت لأستفسر عن الآلية التي يتبعونها. فكانت كالتالي: أولا أن آتي لهم بعرض سعر من مقاول، على أن يكون قام فيه بالتوضيح بشكل تفصيلي ما يلزم عن كل مرحلة من مراحل التشطيب، وعلى أن يذكر أيضا في عرض السعر المدة التي سيسلم فيها المشروع. على أن يكون ربح البنك عن كل سنة على سبيل المثال إذا كان عرض السعر ب 90000 تكون نسبة الربح على السنة 4.5 بالمئة أي 4050. فإذا أردت أن أقسط على خمس سنوات نقوم بضرب 4050 ب 5، وإذا أردت على 6 سنوات نضرب 4050 ب 6.
هل هذه الصورة جائزة شرعا أو فيها ربا؟
وهل أقع في الحرام إذا كان أصل مال البنك حراما ولكن معاملتي كانت حلالا؟
وحسب قول البنك إنه هو من يقوم بشراء المواد للمقاول. هل يقع علي ذنب إن كان هنالك تجاوزات يقوم بها البنك ولا يفصح عنها لي بالعقد ولا أستطيع أن أتبينها لأن ذلك صعب؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا انفصل العقد الذي بينك وبين البنك، عن العقد الذي بين البنك وبين المقاول، وانضبط كل منهما على وفق معاملة شرعية، فلا حرج في ذلك.
والعقد الذي بينك وبين البنك هو عقد استصناع، وهو جائز على الراجح، وهو ما نص عليه قرار مجمع الفقه الإسلامي المتعلق بعقد الاستصناع، وفيه:
أولاً: إن عقد الاستصناع -وهو عقد وارد على العمل والعين في الذمة- ملزم للطرفين إذا توافرت فيه الأركان والشروط.
ثانياً: يشترط في عقد الاستصناع ما يلي:
أ- بيان جنس المستصنع ونوعه وقدره وأوصافه المطلوبة.
ب- أن يحدد فيه الأجل.
ثالثاً: يجوز في عقد الاستصناع تأجيل الثمن كله، أو تقسيطه إلى أقساط معلومة لآجال محددة.
رابعاً: يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطاً جزائياً بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان، ما لم تكن هناك ظروف قاهرة. اهـ.
وعلى ذلك، فلا حرج في طريقة تقسيط الثمن للبنك بالطريقة الواردة في السؤال، إذا عقد العقد على أقساط معلومة إلى أجل محدد.
وأما العقد الذي بين البنك وبين المقاول، فإذا كان البنك -كما ورد في السؤال- هو من يقوم بشراء المواد للمقاول، فهو مجرد عقد إجارة.
وأما إذا كان المقاول هو الذي يوفر المواد اللازمة للتشطيب من مال نفسه، فالعقد الذي بينه وبين البنك عقد استصناعٍ موازٍ، وهو جائز إلى أجل أبعد من أجل الاستصناع الأول، وبشرط عدم الربط بين العقدين، كما سبق بيانه في الفتاوى: 417091، 430303، 457972.
ولا حرج على السائل في هذه المعاملة ما دام عقده مع البنك عقدا شرعيا صحيحا، ولا يضره إذا وقع تجاوز في عمل البنك لا يعلم به، أو كان في أصل ماله شبهة حرام؛ فإن المرء لا يكلف إلا بفعل نفسه، ولا يسأل عن فعل غيره، فإذا فعل غيره دون علمه منكرا أو ارتكب إثما، فعلى نفسه دون غيره من الناس، كما قال تعالى: وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا {النساء: 111}.
قال الطبري في تفسره: يعني بذلك جل ثناؤه: ومن يأت ذنبا على عمد منه له ومعرفة به، فإنما يجترح وبال ذلك الذنب وضره وخزيه وعاره على نفسه، دون غيره من سائر خلق الله. اهـ.
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ {المائدة: 105}، وقال سبحانه: لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ {النساء: 84}.
قال الواحدي في الوجيز: أي: إلا فعل نفسك. على معنى: أنه لا ضرر عليك في فعل غيرك. اهـ.
والله أعلم.