السؤال
قرأت متن الأخضري مع شرحه منح العلي، والكثير من شروحه، وأشكل علي قول المصنف: وَمَنْ غَلِطَ فِي الْقِرَاءَةِ بِكَلِمَةٍ مِنْ غَيْرِ الْقُرْآنِ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَإِنْ كَانَتْ مِن الْقُرْآنِ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ اللَّفْظُ، أَوْ يَفْسُدَ الْمَعْنَى، فَيَسْجُدَ بَعْدَ السَّلَامِ- فما المراد باللفظ؟ وفي منح العلي: قال المؤلف: تغير اللفظ هو إبدال الحرف بحرف آخر- لكنه لم يفصل هل نقص حرف من القراءة يعد من تغيير اللفظ؟ وماذا يصنع الشخص الأعجمي إذا قرأ مثلا: كلمة -قال- بحرف بين القاف والكاف، مما يعني أنه أبدل حرف القاف بالكاف، وقرأ الحرف بطريقة غير كاملة؟ وهل هذان الموقفان يعدان من تغيير اللفظ، وهما نقص حرف، أو قراءة حرف بين حرف وحرف مثل الطاء والتاء؟وبارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المراد باللفظ هو الكلمة القرآنية، والتغيير فيها يشمل النقص والزيادة، وإبدال حرف بحرف آخر، فمن تعمد نقص حرف، أو إبدال حرف بآخر بطلت صلاته؛ كما قال النووي -رحمه الله- في شرح المهذب: تجب قراءة الفاتحة في الصلاة بجميع حروفها وتشديداتها، وهن أربع عشرة تشديدة: في البسملة منهن ثلاث، فلو أسقط حرفاً منها، أو خفف مشدداً، أو أبدل حرفاً بحرف مع صحة لسانه لم تصح قراءته... اهـ
وأما الأعجمي: فإنه يجب عليه التعلم، وتصحيح الحروف، وإذا حصل التغيير من غير عمد كما في حال العاجز كالألكن، والأعجمي العامي، فمعفو عنه، فقد قال الدسوقي المالكي: وحاصل الْمَسْأَلَةِ أَنَّ اللَّاحِنَ إنْ كَانَ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَصَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا صَحَّتْ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا طَبْعًا لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ فَكَذَلِكَ، لِأَنَّهُ أَلْكَنُ.... اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: ومن ترك حرفا من حروف الفاتحة لعجزه عنه، أو أبدله بغيره، كالألثغ الذي يجعل الراء غينا، والأرت الذي يدغم حرفا في حرف، أو يلحن لحنا يحيل المعنى، كالذي يكسر الكاف من إياك، أو يضم التاء من أنعمت، ولا يقدر على إصلاحه، فهو كالأمي، لا يصح أن يأتم به قارئ، ويجوز لكل واحد منهم أن يؤم مثله، لأنهما أميان، فجاز لأحدهما الائتمام بالآخر، كاللذين لا يحسنان شيئا، وإن كان يقدر على إصلاح شيء من ذلك فلم يفعل، لم تصح صلاته، ولا صلاة من يأتم به. اهـ.
وجاء في الفتاوى الهندية للأحناف: وإن كان لا يمكن الفصل بين الحرفين إلا بمشقة كالظاء مع الضاد، والصاد مع السين، والطاء مع التاء، اختلف المشايخ، قال أكثرهم: لا تفسد صلاته، هكذا في فتاوى قاضي خان، وكثير من المشايخ أفتوا به، قال القاضي الإمام أبو الحسن، والقاضي الإمام أبو عاصم: إن تعمد فسدت، وإن جرى على لسانه، أو كان لا يعرف التمييز لا تفسد، وهو أعدل الأقاويل، والمختار... اهـ.
وجاء في رد المحتار لابن عابدين: وفي التتارخانية عن الحاوي: إذا لم يكن بين الحرفين اتحاد المخرج، ولا قُربه، إلا أن فيه بلوى العامة، كالذال مكان الصاد، أو الزاي المحض مكان الذال، والظاء مكان الضاد، لا تفسد عند بعض المشايخ، اهـ. قلتُ: فينبغي على هذا عدم الفساد في إبدال الثاء سينًا، والقاف همزة، كما هو لغة عوام زماننا؛ فإنهم لا يميزون بينهما، ويصعب عليهم جدًّا، كالذال مع الزاي، ولا سيما على قول القاضي أبي عاصم، وقول الصفار، وهذا كله قول المتأخرين، وقد علمت أنه أوسع. اهـ. من رد المحتار لابن عابدين.
والله أعلم.