السؤال
ما حكم الصلاة في أماكن المعذَّبين كديار ثمود؟ ومن العلماء من قال بأن الصلاة في هذه الأماكن حرام؟ ومن العلماء من قال بأنه مكروه؟
ما حكم الصلاة في أماكن المعذَّبين كديار ثمود؟ ومن العلماء من قال بأن الصلاة في هذه الأماكن حرام؟ ومن العلماء من قال بأنه مكروه؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما ذكرته من الخلاف في صحة الصلاة في هذه الأماكن صحيح، فمن العلماء من كره الصلاة فيها، ورأى صحتها مع الكراهة، وهذا معتمد مذهب الحنابلة، وبه قال الجمهور.
قال في مطالب أولي النهى: (وَتُكْرَهُ) الصَّلَاةُ (بِأَرْضِ خَسْفٍ، وَمَا نَزَلَ بِهَا عَذَابٌ) مِن الْأَرَاضِي الْمَسْخُوطِ عَلَيْهَا، (كَ) أَرْضِ (بَابِلَ) وَأَرْضِ الْحِجْرِ (وَدِيَارِ ثَمُودَ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَن الصَّلَاةِ فِي أَرْضِ بَابِلَ وَقَالَ: إنَّهَا مَلْعُونَةٌ» وَلِأَنَّهَا مَوَاضِعُ مَسْخُوطٌ عَلَيْهَا، وَقَدْ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ مَرَّ بِالْحِجْرِ: لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ». انتهى.
وذهب بعض الحنابلة إلى تحريم الصلاة فيها وعدم صحتها، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد ذكر رحمه الله الخلاف بين الحنابلة في المسألة، ورجح المنع، وانتصر له بتعليلات قوية فقال ما لفظه:
فإن صلى فهل تصح صلاته؟ فعلى ما ذكره طائفة من أصحابنا تصح لأنهم جعلوا هذا من القسم الذي تكره الصلاة فيه ولا تحرم؛ لأن أحمد كره ذلك، ولأنهم لم يستثنوه من الأمكنة التي لا يجوز الصلاة فيها.
ولأصحابنا في الكراهة المطلقة من أبي عبد الله وجهان:
أحدهما: أنه محمول على التحريم، وهذا أشبه بكلامه وأقيس بمذهبه؛ لأنه قد قال في الصلاة في مواضع نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها يعيد الصلاة، وكذلك عند القاضي والشريف أبي جعفر وغيرهما طرد الباب في ذلك بأن كل بقعة نُهي عن الصلاة فيها مطلقا لم تصح الصلاة فيها كالأرض النجسة. وهذا ظاهر، فإن الواجب إلحاق هذا بمواضع النهي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه كما نهى عن الصلاة في المقبرة، ونهى الله نبيه أن يقوم في مسجد الضرار، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدخول إلى مساكن المعذبين عموما.
فإذا كان الله نهى عن الصلاة في الأماكن الملعونة خصوصا، ونهى عن الدخول إليها خصوصا، وعمل بذلك خلفاؤه الراشدون وأصحابه مع أن الأصل في النهي التحريم والفساد، لم يبق للعدول عن ذلك بغير موجب وجه، لا سيما والنهي هنا كان مؤكدا.
ولهذا لما عجنوا دقيقهم بماء آل ثمود أمرهم أن يعلفوه النواضح ولا يَطعَموه، فأي تحريم أبين من هذا؟ قوم مجاهدون في سبيل الله في غزوة العسرة التي غلب عليهم فيها الحاجة وهي غزوة تبوك التي لم يكن يحصي عددهم فيها ديوان حافظ، وخرجوا في شدة من العيش، وقلة من المال، ومع هذا يأمرهم أن لا يأكلوا عجينهم الذي أعز أطعمتهم عندهم، فلو كان إلى الإباحة سبيل لكان أولئك القوم أحق الناس بالإباحة، فعُلِم أن النهي عن الدخول والاستقاء كان نهي تحريم.
ثم إنه قد قرن بين الصلاة في الأرض الملعونة والصلاة في المقبرة ثم جميع الأماكن التي نهى عن الصلاة فيها إذا صلي فيها لم تصح صلاته، فما بال هذا المكان يُستثنى من غير موجب إلا عدم العلم بالسنة فيه. انتهى.
والقول بعدم الصحة وجيه جدا؛ وإن كان خلاف قول الجمهور.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني