الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم صلاة من لم يقرأ سوى الفاتحة، وترك التشهد، ولا يدري كم صلى

السؤال

كنت أصلي لمدة ثلاث سنوات صلاةً سريعة، وأكتفي بقراءة سورة الفاتحة فقط، وأترك التشهد الأول (لأنه سنة عند الشافعية، وأنا أتبع المذهب الشافعي). كما أنني لم أكن أعلم أحيانًا متى تنتهي الصلاة، حيث كنت أكون شارد الذهن، ولا أعرف عدد الركعات التي صليتها. إضافة إلى ذلك، كنت أقرأ سورة الفاتحة بسرعة كبيرة، لدرجة أنني لا أعلم إن كنت قد قرأتها بشكل صحيح أم لا. فهل يجب عليَّ قضاء هذه الصلوات أم لا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الصلاة لها مكانة عظيمة في الإسلام، فهي الركن الثاني منه بعد الشهادتين، وهي أول ما ينظر فيه من أعمال المسلم، فمن حافظ عليها فاز وربح، ومن ضيعها خاب وخسر. وقد ثبت الوعيد الشديد في حق من يتهاون بها أو يضيعها، قال تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ {الماعون:4 - 5}، وقال تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا {مريم: 59}، وراجع المزيد عن أهمية المحافظة على الصلاة في الفتوى: 4307.

فنوصيك بالمحافظة على أداء صلاتك بشروطها، وأركانها، وواجباتها، وبالخشوع فيها، وعدم التهاون بها مستقبلًا، مع تعلم أحكامها، ومعرفة ما يبطلها، وما تتوقف صحتها عليه.

وقد تضمن سؤالك عدة أمور تتعلق بالصلاة، وسيكون الجواب في النقاط التالية:

1ـ الاقتصار على الفاتحة، وترك السورة لا يبطل الصلاة، فمذهب جماهير العلماء أن القراءة بعد الفاتحة سنة، لا تبطل الصلاة بتركها، لا عمداً ولا سهواً. قال الشوكاني في نيل الأوطار: ولا خلاف في استحباب قراءة السورة مع الفاتحة في صلاة الصبح، والجمعة، والأوليين من كل الصلوات. قال النووي: إن ذلك سنة عند جميع العلماء، وحكى القاضي عياض عن بعض أصحاب مالك وجوب السورة. قال النووي: وهو شاذ مردود. انتهى.

2ـ يجوز لك تقليد الشافعية القائلين بعدم بطلان صلاة تارك التشهد الأول، ولو عمدًا. وانظر تفصيل هذه المسألة في الفتويين: 174151، 220252.

3ـ الخشوع في الصلاة ليس شرطاً في صحتها، فمن غلب عليه التفكير أثناء الصلاة حتى خرج منها وهو لا يدري كم صلى، تجزئه صلاته، بناء على ما رجحه ابن رجب الحنبلي، مستدلاً بالحديث المتفق عليه، والذي يفيد أن الشيطان يوسوس للمصلي في صلاته حتى يخرج منها وهو لا يدري كم صلى.

يقول ابن رجب في فتح الباري: والمقصود من تخريجه في هذا الباب: أن الشيطان يأتي المصلي، فيذكره ما لم يكن يذكره، حتى يلبس عليه صلاته، فلا يدري كم صلى، وإن صلاته لا تبطل بذلك، بل يؤمَر بسجود السهو؛ لشكه في صلاته. وقد حكى غير واحد من العلماء الإجماع على ذَلِكَ، ومنهم من قال: هو إجماع من يعتد به، وهذا يشعر بأنه خالف فيه من لا يعتد به.

وقد قال طائفة قليلة من متأخري أصحابنا والشافعية: أنه إذا غلب الفكر على المصلي في أكثر صلاته، فعليه الإعادة؛ لفوات الخشوع فيها. وكذا قالَ أبو زيد المروزي من الشافعية، في المصلي وهو يدافع الأخبثينِ: أنه إذا أذهب ذَلِكَ خشوعه، فعليه الإعادة. وقال ابن حامد من أصحابنا: متى كثر عمل القلب وفكره في الصلاة في أمور الدنيا أبطل الصلاة، كما يبطلها عمل الجسد إذا كثر. والحديث حجة على هذه الأقوال كلها. وقد استدل لوجوب الخشوع في الصلاة بحديث مختلف في إسناده، وقد ذكرناه مع الإشارة إلى هذه المسألة في ((باب: الخشوع في الصلاة))، فيما مضى. اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وشاهد الترجمة قوله: "حتى لا يدري كم صلى" فإنه يدل على أن التفكر لا يقدح في صحة الصلاة، ما لم يترك شيئًا من أركانها. اهـ.

4ـ الإسراع في قراءة الفاتحة لا يبطلها إذا لم يترتب على ذلك إخلال ببعض الحروف. وراجع الفتوى: 175129.

5ـ من شك هل أخطأ في الفاتحة أم لا، فصلاته صحيحة، فإن الأصل عدم اللحن حتى يثبت بيقين. مع التنبيه على أن اللحن في الفاتحة إذا لم يكن متعمدًا، فلا يبطل الصلاة عند المالكية. كما تقدم في الفتوى: 269737.

فالذي يظهر من سؤالك أنه لا يجب عليك قضاء الصلوات في السنوات التي ذكرتها، لكن يتأكد عليك إتقان الصلاة، وعدم التهاون بها، مع الإكثار من النوافل، فهي تجبر ما يكون من النقص في الفرائض. كما بينا في الفتوى: 1821.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني