الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام من تزوج على امرأته بكرا، والقسم بينهما، وتفضيل إحداهما بسبب الأولاد

السؤال

أنا أرملة بكر تزوجتُ رجلًا متزوجًا، وقد وعدني بسبع ليالٍ متتالية، لكن بعد زواجنا لم يمكث معي في الفترة الأولى مراعاةً لزوجته وأطفاله. كنتُ أبكي كثيرًا، لكنني سامحته وانتظرت أن يمنحني أيامي المتتالية، غير أنني فوجئت بأنه أعطاني خمس ليال فقط، ثم قال إن لي ثلاث ليال فقط، بحجة أنني كنت متزوجة قبله، حتى لو كنت بكرًا.
مشكلتي معه تتعلق أيضًا بقسمة الوقت؛ فأنا لا أطلب أكثر من حقي، وأسعى إلى فعل كل ما يُرضيه، لكن حين أُطالبه بحقوقي، يردّ عليّ قائلًا إنه هو المسؤول أمام الله، وليس لي شأن بذلك. كما أنه يستخدم أبناءه أحيانًا كحجة ليأخذ من وقتي المخصص لي.
أريد نصائح حول كيفية التعامل معه وإرضائه دون أن أُظلم.
مع العلم أنه شخص حنون وطيب، ويتصف بالكثير من الصفات الجميلة، لكنه يكبرني سنًّا بكثير، حتى إن أبناءه في عمري. دائمًا ما أخبره أن أبناءه سيعيشون حياتهم ويتزوجون، بينما هذه هي حياتي، وأريد أن أعيش شبابي وأحظى بحياة زوجية هادئة ومميزة، رغم قلة الوقت الذي أقضيه معه.
أنا أحبّ أهله كثيرًا، لكن ليست لي علاقة مباشرة معهم، وأدعو لهم دائمًا بالخير. كذلك، أتمنى له كل ما يُسعده، لكنه أحيانًا يأخذ من حقي ولا يعوضني. كما أنه يقول لي إن أسرته كانت تأخذ جميع الأيام، والآن هم حزينون لأنهم فقدوا بعضًا منها. فأرد عليه بأنني لا أرى فيما حلّله الله إلا الخير، حتى لو أدى ذلك إلى تغيير في حياتنا، فهو الذي اختار أن يبني بيتًا آخر، فلا ينبغي له أن يشتكي من أمر أباحه الله، إلا إذا كان هو من يظلم أو يُقصّر في حق زوجته.
مع العلم أنه لا يُقصّر في حق أسرته أبدًا، وهو إنسان خلوق، لكنني لا أفهم سبب استخدامه أبناءه في حديثه معي. فهل يجب أن أتنازل عن حقي من أجل أبنائه؟ وما هو حق أبنائه عليه في وجود زوجة ثانية من حيث الوقت؟ لم أجد حتى الآن فتوى واضحة في هذا الموضوع.
أنا لا أطلب سوى حقي كزوجة ثانية، لا أكثر ولا أقل. فماذا أفعل؟ هل أستمر في حياتي معه وأحاول أن أتقبل ما يقتطعه من حقي؟ أم أطلب الطلاق بسبب الحزن الشديد الذي أشعر به حين لا أراه عادلًا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد ذكرتِ عن زوجك جملة من الصفات الطيبة، فنوصيك بالصبر عليه، والتروي في أي خطوة قد تكون سببًا لتأزم العلاقة بينك وبينه، مع الدعاء له بأن يرزقه الله الرشد والصواب.

واجعلي حياتك معه قائمة على الحوار والتفاهم بالحسنى، فذلك كله مما قد يعينك على أن تأخذي منه ما تبتغين من حقك عليه، روى مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه. ويمكنك الاستعانة في نصحه بالمقربين إليه إن رجوت من ذلك نفعاً. هذا من حيث ما ننصحك به أولاً.

أمّا من حيث الحكم الشرعي، فمن تزوج على امرأته امرأة بكرًا، أقام عندها سبعًا، ثم يرجع لزوجته الأولى، ويقسم بينهما بالعدل.

قال ابن قدامة في المغني: متى تزوج صاحب النسوة امرأة جديدة، قطع الدور، وأقام عندها سبعًا إن كانت بكرًا، ولا يقضيها للباقيات، وإن كانت ثيبًا، أقام عندها ثلاثًا، ولا يقضيها. انتهى.

وعرّف الفقهاء البكر هنا بمن كانت بكارتها باقية على حالها، فلم تزل بوطء، جاء في حاشية إعانة الطالبين في الفقه الشافعي: (قوله: بكر) ... والمراد بها: من لم تزل بكارتها بوطء في قبلها. انتهى.

وفي الإقناع للشربيني الشافعي: لو وطئت البكر في قبلها، ولم تزل بكارتها، كأن كانت غوراء، فهي كسائر الأبكار. انتهى.

والواجب أن يعدل الزوج بين زوجتيه، بأن يبيت عند إحداهما مثل ما بات عند الأخرى، وأساس القسم هو الليل، قال ابن مفلح في المبدع: وعماد القسم الليل؛ لقوله تعالى: {وجعل الليل سكنا}، ولقوله تعالى: (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله)؛ لأن الليل للسكن، والنهار للمعاش. انتهى.

ولا يجوز للزوج تفضيل إحدى زوجتيه بالمبيت عندها بسبب وجود الأولاد، ولكن إن أراد أن يتفقد أولاده في النهار، فله الدخول إلى بيت زوجته الأخرى للحاجة فقط؛ لأن الأصل أن النهار تبع للَّيل.

قال ابن قدامة في المغني: وأمّا الدخول في النهار إلى المرأة في يوم غيرها، فيجوز للحاجة، من دفع النفقة، أو عيادة، أو سؤال عن أمر يحتاج إلى معرفته، أو زيارتها لبعد عهده، ونحو ذلك. انتهى.

ولا يلزم الزوجة أن تتنازل عن شيء من حقها من أجل الأولاد، ومن حق أولاده عليه الرعاية والعناية وتعهدهم بالتربية وحسن التوجيه، وعليه أن يقوم بها من غير ظلم لزوجته.

وإذا ظلم الزوج زوجته شيئًا من حقها في المبيت، كان لها الحق في أن تطلب منه أن يقضي لها، وعليه أن يفعل.

قال البهوتي في كشاف القناع: فلو كان له أربع نسوة، فأقام عند ثلاث منهن ثلاثين ليلة عند كل واحدة عشر ليال -ولم تكن الرابعة ناشزًا- لزمه أن يقيم عند الرابعة عشرًا، ليعدل بينهن. انتهى.

وإذا كانت المرأة متضررة من زوجها بسبب ظلمه لها ونحو ذلك، فلها الحق في طلب الطلاق، ولكن لا ينبغي أن تتعجل طلبه، بل الأولى أن تتبصر، فقد لا يكون الطلاق أصلح لها، بل يكون الصبر أولى بها. وراجعي الفتوى: 37112، ففيها بيان مسوغات طلب الطلاق.

وننصح في الختام بالاستفادة من الاستشارات المشابهة الموجودة في موقعنا من خلال هذا الرابط:

http://consult.islamweb.net/consult/index.php

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني