السؤال
كنتُ أتشاجر مع زوجي في إحدى السنوات، وكنا نصرخ معًا، فقلتُ له: "طلِّقني، طلِّقني، طلِّقني!" فقال: "لا"، فكررتُ طلبي وقلتُ: "طلِّقني"، فقال وهو غاضب ومتسرع: "أنتِ طالق" أو "طالق" (لا أتذكر اللفظ تحديدًا). كان ذلك منذ تسع سنوات.
وفي المرة الثانية، قال لي زوجي: "إن كنتِ قد فعلتِ كذا في الماضي، فاعتبري نفسكِ طالقًا"، لكنني لا أتذكر تفاصيل الموضوع ولا الصيغة الدقيقة للطلاق. وبعد مرور سنة، أخبرته بأنني قد فعلت ذلك الأمر، وأنا وهو لا نتذكر هذه الواقعة بدقة ولا اللفظ الحقيقي للطلاق.
أما في المرة الثالثة، فقد كنتُ مريضة، وذهبتُ إلى عدة أقسام في المستشفى لإجراء الفحوصات بحثًا عن سبب المرض، حتى مررتُ بدكتور القلب، الذي كشف عليَّ بجهاز الإيكو. وعندما علم زوجي، غضب بشدة، رغم أن الطبيب لم ينظر إليّ مباشرة، وقال لي: "إن ذهبتِ إلى طبيب ذكر وكشف عليكِ، فأنتِ طالق"، ثم سكت وأضاف: "إلا للضرورة القصوى"، وكان قصده أن لا يقع الطلاق في حال الاضطرار إلى ذلك.
وبعد مرور أشهر، اضطررتُ إلى زيارة الطبيب الأقرب للمنطقة، إذ لم أستطع ترك أطفالي وحدهم لفترة طويلة خوفًا عليهم، فزرتُ الطبيب، ولم أكشف أي جزء من جسمي، بل وضع السماعة على ظهري تحت العباءة بمساعدة الممرضة. لكن بما أنني لم أكن أراه، فلا أعلم إن كان قد نظر إلي أم لا. سألتُ زوجي عن نيته، فأخبرني أنه لم يكن ينوي الطلاق، وإنما قال ذلك من شدة الغيرة.
الآن، أنا في حيرة، حيث إن زوجي مسافر وسيعود غدًا، ولا أعرف كيف أتصرف.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفتوى عن بُعْدٍ لا تناسب مثل هذه المسائل، والصواب فيها؛ أن يشافه الزوج أهل العلم الثقات المختصين بالفتوى، ليستفصلوا منه، ويقفوا على حقيقة ما صدر منه من ألفاظ الطلاق وقصده بها، ونحو ذلك.
ومن حيث الحكم الشرعي على سبيل العموم، ننبه على بعض الأمور:
أولاً: القول في الطلاق قول الزوج؛ فإذا ادعت الزوجة الطلاق، وأنكره الزوج؛ فالقول قوله، إلا إذا تيقنت الزوجة من وقوع الطلاق الثلاث؛ فليس لها أن ترجع إليه، وعليها أن تتخلص منه بالخلع ونحوه، حتى يظهر طلاقها.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: إذا ادعت المرأة أن زوجها طلقها فأنكرها، فالقول قوله؛ لأن الأصل بقاء النكاح، وعدم الطلاق، إلا أن يكون لها بما ادعته بينة، ولا يقبل فيه إلا عدلان ... وإن اختلفا في عدد الطلاق، فالقول قوله؛ لما ذكرناه، فإذا طلق ثلاثًا، وسمعت ذلك، وأنكر، أو ثبت ذلك عندها بقول عدلين، لم يحل لها تمكينه من نفسها، وعليها أن تفر منه ما استطاعت، وتمتنع منه إذا أرادها، وتفتدي منه إن قدرت. قال أحمد: لا يسعها أن تقيم معه، وقال أيضًا: تفتدي منه بما تقدر عليه. انتهى مختصرًا.
ثانياً: الطلاق المنجز باللفظ الصريح يقع من غير حاجة إلى نية، قال ابن قدامة: وجملة ذلك أن الصريح لا يحتاج إلى نية، بل يقع من غير قصد، فمتى قال: أنت طالق، أو مطلقة، أو طلقتك؛ وقع من غير نية بغير خلاف. انتهى.
ثالثاً: أكثر أهل العلم على أنّ الغضب الذي لا يزيل العقل بالكلية؛ لا يمنع وقوع الطلاق، وأنّ الطلاق المعلّق على شرط؛ يقع عند حصول المعلّق عليه؛ سواء قُصِدَ به إيقاع الطلاق، أو قصد به التهديد، أو التأكيد ونحوه، وهو المفتى به عندنا، وانظري الفتويين: 30144، 337432.
رابعاً: الراجح عندنا أنّ وقوع الطلاق المعلقّ يتوقف على معرفة ما نواه الزوج بيمينه، قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وجملة ذلك، أن مبنى اليمين على نية الحالف، فإذا نوى بيمينه ما يحتمله، انصرفت يمينه إليه، سواء كان ما نواه موافقًا لظاهر اللفظ، أو مخالفًا له...
والمخالف يتنوع أنواعًا:
أحدها: أن ينوي بالعام الخاص...
ومنها: أن يحلف على فعل شيء أو تركه مطلقًا، وينوي فعله أو تركه في وقت بعينه. انتهى مختصرًا.
خامساً: إذا حصل شك في الطلاق، أو في حصول ما علّق الزوج عليه الطلاق؛ فلا يقع الطلاق في هذه الحال؛ لأنّ الأصل بقاء الزواج، فلا يزول بالشك، قال الرحيباني -رحمه الله- في مطالب أولي النهى: ولا يلزم الطلاق لشك فيه، أو شك فيما علق عليه الطلاق. انتهى.
والله أعلم.