السؤال
أرجو من فضيلتكم التكرم ببيان الحكم الشرعي في زكاة الحالات التالية:
أستثمر في العقارات من خلال شركة عقارية تقوم بتقسيم العقارات إلى أسهم، ويقوم الأشخاص بشراء عدد من هذه الأسهم، بدفع مقدم، ثم تقسيط الباقي على عدة سنوات.
تقوم الشركة بطرح ثلاثة أنواع من العقارات:
عقارات مخصصة للتأجير.
عقارات مخصصة لإعادة البيع.
عقارات قد تُستثمر بالتأجير أو البيع حسب ما يتاح لاحقًا.
وفي جميع العقود، يوجد بند موحد ينص على أنه في حال توفرت فرصة لبيع العقار بقيمة تعادل 180% من سعر الشراء، فإن الشركة تقوم ببيع العقار.
وقد قمتُ بشراء عدد من هذه العقارات؛ بعضها مخصص للتأجير، وأحدها سيتم تأجيره قريبًا بالفعل بعقد إيجار مدته تسع سنوات. فما حكم الزكاة في العقارات المخصصة للتأجير؟ وهل تجب الزكاة على أصل العقار أم على الإيرادات (الإيجار) فقط؟ وما الحكم في العقارات التي لم يتضح بعدُ هل سيتم تأجيرها أم بيعها؟ وهل تجب الزكاة عليها باعتبارها من عروض التجارة؟ وهل وجود بند البيع المشروط في العقود يؤثر على نية التملك، فيحوّل العقار من كونه للاستثمار التأجيري إلى كونه من عروض التجارة؟
وأخيرًا، إذا اشتريتُ عقارين مختلفين بنية البيع، وكان كلٌّ منهما أقل من النصاب، فهل لا تجب الزكاة عليهما؟ أم يجب عليّ جمع قيمتهما وإخراج الزكاة عنهما مجتمعين؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من الشروط المتفق عليها لوجوب الزكاة في العروض: تملكها بنية التجارة.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اتفق الفقهاء على أنه يشترط في زكاة مال التجارة أن يكون قد نوى عند شرائه أو تملكه أنه للتجارة. اهـ.
لكن هل يقوم مقام نية التجارة وجود مثل هذا البند الملزم ببيع العقار عند توفر عرض بسعر معين؟
المسألة محل نظر واحتمال.
والظاهر إلحاقها بمسألة من اقتنى عرضًا بنية الغلة، أو القنية، وأنه متى وجد ربحًا باعه.
وقد اختلف الفقهاء في وجوب الزكاة بمثل هذه النية.
جاء في عيون المسائل للسمرقندي الحنفي: وقال: هشام سألت محمداً عن رجل اشترى خادماً للخدمة، وهو ينوي إن أصاب ربحاً باع، هل فيها الزكاة؟ قَالَ: لا، هكذا شرى للناس إذا أصابوا ربحاً باعوه. اهـ.
وجاء في الدر الثمين لميارة المالكي: من جملة شروط زكاة العرض كونه للتجارة لا للقنية، فإن نوى بالعرض عند شرائه غلته -ككرائه ففي زكاة ثمنه إن بيع- قولان:
المشهور: تسقط الزكاة؛ لأن الغلة موجودة في عرض القنية.
ومقابله: تجب؛ لأن الغلة نوع من التجارة، فإن نوى التجارة والقنية: كأن يشتري عرضًا ينوي الانتفاع بعينه -وهي القنية- وإن وجد ربحًا باعه -وهو التجارة-: فهل ترجح نية القنية؛ لأنها الأصل في العروض، فلا زكاة، أو ترجح نية التجارة احتياطًا للفقراء فيزكى؟
ورجح اللخمي وابن يونس القول بالوجوب، فإن نوى الغلة والتجارة، أو الغلة والقنية، احتمل القولين. اهـ.
والأحوط والأسلم للذمة: هو إخراج الزكاة عن العقارات المعدّة للإيجار، مع وجود مثل هذا البند مرة واحدة عند بيعها -كما هو مذهب المالكية في زكاة المحتكر-.
وقد رجحنا في الفتوى: 128785، وجوب الزكاة فيما اشتُري بنية بيعه عند ارتفاع سعره. وانظر الفتوى: 40385.
وأمّا سؤالك: (إذا اشتريتُ عقارين مختلفين بنية البيع، وكان كلٌّ منهما أقل من النصاب، فهل لا تجب الزكاة عليهما؟ أم يجب عليّ جمع قيمتهما وإخراج الزكاة عنهما مجتمعين؟): فإن قيمة العقارين تضم إلى بعضهما في إكمال النصاب، وتضم إليهما ما تكملة من عروض أخرى ونقود.
جاء في المغني لابن قدامة: عروض التجارة تُضَمُّ إلى كل واحد من الذهب والفضة، ويكمل به نصابه. لا نعلم فيه اختلافا. قال الخطابي: لا أعلم عامتهم اختلفوا فيه؛ وذلك لأن الزكاة إنما تجب في قيمتها، فتُقَوَّمُ بكل واحد منهما، فتضم إلى كل واحد منهما. اهـ.
والله أعلم.