الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مدى استحقاق الوسيط السابق للأجرة في عمل لم يتم، ثم تم بعد فترة

السؤال

شخصان يعملان في الوساطة، تعرفا على بعضٍ عن طريق وسيطٍ ثالث بحكم عمله في مجال السمسرة، ولكن العمل في المرّة الأولى لم يتم. وبعد سنةٍ -تقريبًا- اجتمع الشخصان على العمل في الوساطة نفسها مرّةً ثانية فنجحت. فهل يحقّ للوسيط الثالث طلب عمولة؟ وكم يجب أن تكون؟ مع العلم أنّه في المرّة الأولى كان للوسيط الثالث نسبة في حال تمّ العمل.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمن المعلوم أن الوسطاء لا يستحقون شيئًا فيما كان مقابل إتمام وساطة أو صفقة، لكنها لم تنجح.

قال الشيرازي في المهذب: ولا يستحق العامل الجعل إلا بالفراغ من العمل. انتهى.

ولكن لو تم العقد بعد ذلك دون بذل أي جهد جديد -من الوسطاء أو بعضهم- في إتمامها، وإنما بسبب عمل بعض الوسطاء -سواء ممن اشترك في الوساطة الأولى أو لا- أو بسبب عمل مالكها استقلالاً عن الوسطاء، فقد حصل الخلاف بين أهل العلم -في كون الوسيط السابق يستحق الأجر من عدمه- على أربعة أقوال، ذكرها الأطرم في كتابه (الوساطة التجارية):
الأول: لا يستحق شيئًا.
والثاني: يستحق بقدر عنائه وتعبه، وهذان القولان وردا عند الحنفية والحنابلة، والقول الأول هو المختار عند الحنفية.
والثالث: أنه إن انتفع الآخر الذي تم البيع عن طريقه بتسويق الأول، استحق أجرًا وإلا فلا.
والرابع: أنه إن وجد ما يدل على إرادة حرمان الأول، فإنه يستحق الأجر، وإلا فلا...
وهذا التفصيل في القولين الأخيرين لبعض فقهاء المالكية...
انتهى.

والذي يظهر لنا -والله أعلم- أن الوساطة المتأخرة إن استفادت من الوساطة الأولى، أو توقفت عليها، فإن الوسيط الأول فيها يستحق الأجر مما جعل عليها، ولكن هذا ما لم يطل الزمن إطالة مشعرة بالانصراف التام عن الرغبة في إتمام العقد.

وما يعد زمنًا طويلًا في المنقولات، كاليوم ونحوه، قد لا يعد في الأصول العقارية ونحوها.

قال التسولي المالكي في البهجة: فإن ‌نادى ‌السمسار ‌على ‌السلعة فلم يجد فيها البيع وردها إلى ربها فباعها ربها بالذي وقعت عليه، أو بأقل، أو بأكثر، فإن باعها في ذلك السوق بالقرب، فللسمسار الجعل، وإن باعها بَعْدَ بُعْدٍ، أو في غير ذلك السوق، فلا جعل له، قاله في المعيار. انتهى. ولا معنى لذلك إلا اعتبار أثر الدلالة الأولى.

وقال -في البهجة- أيضًا نقلاً عن ابن رشد في مسائله: وشبه هذا الدلال يجعل له الجعل على شيء، فيسوقه، ثم يبيعه ربه بغير حضرته، ولو باعه دلال آخر بجعل كان الجعل بين الدلالين بقدر عنائهما؛ لأن الدلال الثاني هو المنتفع بتسويق الأول. انتهى.
وتأمل هذا مع ما يفعله الناس اليوم من كون الدلال الثاني يستبد بجميع الجعل، وذلك ظلم للأول -كما ترى- وهذا ظاهر إذا كان الدلال الثاني دلل الثوب مثلاً في اليوم الذي دلـله فيه الأول، وفي ذلك السوق بعينه، وإلا فلا شيء للأول، بخلاف تدليل الأصول -الجمعة، والشهر، ونحوه-، فإنه يشارك الثاني ولو دللها في غير يومها وسوقها
. انتهى.

وعليه؛ فإن كانت وساطة أولئك الوسطاء في المرة الأولى لها أهميتها وتأثيرها في ما حصل في المرة الثانية من نجاح الوساطة، وكان فترة السنة بين المحاولتين معتاد مثلها في تلك الصفقات، أو قصد الوسيطان في المرة الثانية حرمانه من الجعل عليها؛ فإنه لا يسقط حقه من ذلك، وإلا فلا حق له في ذلك.

والأصل في الجعل أن يكون حسب الاتفاق بينهم، وإلا فالأصل التساوي بينهم في ذلك، إلا إن بذل بعضهم جهدًا أكثر من المعتاد لم يتنازل عنه، فإنه يستحق مقابله.

جاء في كشاف القناع: وموجب العقد المطلق في شركة، وجعالة، وإجارة، التساوي في العمل والأجر؛ لأنه لا مرجح لواحد فيستحق الفضل، ولو عمل واحد منهم أكثر ولم يتبرع بالزيادة، طالب بالزيادة ليحصل التساوي. انتهى. وراجع الفتوى: 60711.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني