السؤال
أب له أربعة أولاد و بنتان وله زوجة وهي أم أبنائه وهي تمتلك بيتا وزوجها كذلك يمتلك بيتا وقد انفصل الزوج عن زوجته منذ ثلاثين سنة بدون طلاق فهو يعيش في بيته وهي تعيش في بيتها وقبل أن يموت الأب بحوالي 9 سنوات نظر الأب في حال أبنائه فوجد حالتهم المادية لابأس بها إلا واحدا كان فقيرا فأراد الأب أن يهب له بيته [أي بيت الأب] بشرط ألا ينتفع به إلا بعد موته علما بأن هذا كل ما يمتلك الأب وطلب الإذن من أبنائه الآخرين فأذنوا إلا واحدا اشترط عليه أن لا يرث من بيت الأم [علما أن بيت الأم أغلى ثمنا من بيت الأب] فقبل الأخ شرط أخيه و تم توثيق كل هذا عند الموثق لكن ما بين فترة التوثيق إلى وفاة الأب تحسن حال الابن الفقير وأصبح أحسن حالا من إخوته
1ـ هل على الأم عدة بعد وفاة زوجها 2ـ هل الأب فعل محظورا بهبته هذا البيت 3ـ هل اشتراط الأخ على أخيه عدم الإرث من بيت الأم معتبر 4ـ هل يسقط انتفاع الابن من هذا البيت ويرث فيه كل الأبناء لارتفاع علة الوهب وهي الفقر 5ـ إذا سقط الانتفاع هل يرث من بيت الأم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن عدة المتوفى عنها واجبة، ولا تسقط بابتعاد زوجها عنها وغيبته عنها فترة طويلة.
وأما الهبة المعلقة على الموت فإنها تعتبر وصية كما قال ابن قدامة في المغني. والأصل أنه لا يحق للوالد أن يفضل أحد أولاده في العطية، أو أن يوصي لواحد منهم لأن الوصية للوارث لا تجوز ولا تنفذ إلا إذا أجازها الورثة، فإن أجازها بعضهم وأبى بعضهم نفذ نصيب ما أجازه البعض دون غيره بشرط أن يكون المجيزون بالغين رشداء، كما في الحديث: إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث. رواه أصحاب السنن وصححه الألباني، وفي رواية للبيهقي والدارقطني حسنها ابن حجر: لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة. ثم إنه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث ولا تنفذ إلا إذا أجازها الورثة، فإن أجاز بعضهم وأبى بعضهم نفذ ما أجازه البعض فقط بشرط أن يكونوا بالغين رشداء.
فإذا تقرر هذا فإن الأب أخطأ في الوصية لأحد بنيه بجميع ما يملك لأنها أولا: وصية لوارث، وثانيا: وصية بجميع ما يملك، ولكنه إذا كان استأذن باقي الأبناء وتنازلوا أو أكثرهم عن حقهم طواعية منهم فإن الإثم يرتفع عنه وتنفذ وصيته، وأما إن لم يكن عن طيب نفس منهم فإنه لا عبرة بإذنهم إلا أنه لا بد من إثبات ذلك بالبينة، ويدل لعدم اعتبار إذنهم بغير طيب نفس ما في الحديث: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه. رواه أحمد وصححه الألباني. والأحوط استئذانهم أيضا بعد وفاة الأب لأن بعض أهل العلم أجاز لهم الرجوع في إذنهم بعد وفاة الوالد، كما أن بعضهم لم يعتبر الإذن إلا بعد وفاة الأب لأن إجازتهم تعتبر هبة، ويشترط فيها القبول بعد وفاة الأب لأنهم لم يملكوها إلا بعد وفاته، ثم إنه يجب أخذ الإذن من الأم لأنها وارثة ولا بد من اعتبار إذنها عملا بالحديث السابق: إلا أن يشاء الورثة. فإن وافقت فذلك المطلوب وإلا فإنه ينفذ ما أجازه الإخوة بقدر حقهم في الميراث ويعطى للأم ثمن البيت.
وأما اشتراط الأخ عدم الرضى بوصية الأب إلا إذا تنازل الأخ الثاني الموصَى له عن حقه في ميراثه من بيت أمه فإنه لا حرج فيه، لأن له الحق في رفض الوصية بقدر حظه من ميراثه من أبيه، فإذا اتفق مع الموصى له على قبول ذلك بشرط تنازل ذلك عن حقه من ميراثه من أمه لم يعد في الأمر أي مانع يمنع منه.
ولا يبطل وصية الوالد تغير الحالة المادية للموصَى له، لأن تغير حالته حصل في حياة الوالد ولم يرجع الوالد عن وصيته. وراجع الفتوى رقم: 19503 ، 8147 ، 52076، 26277.
ثم إننا ننبه السائل إلى أن أمر التركات أمر خطير جدا وشائك للغاية، وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقا لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.