السؤال
مشكلتي في زواج والدي، والدي عندما تزوج أمي كان رجلاً سكيرا ثم تاب الله عليه وحج واعتمر ورزقه الله مالاً كثيراً ويصرف الكثير منه في الصدقات بالآلاف، مشكلتي أن والدي يحلف على أمي بالطلاق كثيراً وقد سبق وحلف عليها أكثر من ثلاث مرات، وكانت ترجع له ونحن ولدنا بقرابة 9 أبناء خلال ظروف والدي يكون طلق أمي فوق ثلاث ثم ردها، أوقات في حالة سكره وأوقات في حالة وعيه وإلى اليوم مازال والدي يطلقها، وهي تبقى معنا فوالدي وأمي كبيران في السن والعادات والتقاليد تحثهم على أن تبقى المرأة مع زوجها وعدد طلقات أمي تفوق الـ 20 طلقة، فما موقفنا نحن في الشرع الذين جئنا في هذه الحالة، هل نحن أبناء حلال ووالدي وأمي ماذا عليهم، أرجوكم هذا الأمر يؤرقني ليلاً نهاراً، أفيدوني أفادكم الله وجزيتم خير جهاد في سبيل الله وبعده مسك شهادة وعنبر؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد جاء النهي في السنة عن الحلف بغير الله تعالى وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت. رواه البخاري.
ويشتد النهي أكثر إذا كان ذلك بأيمان الطلاق لأنها من أيمان الفساق، كما ورد ذلك في حديث اختلف في رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو قوله: الطلاق والعتاق من أيمان الفساق. والحديث له شاهد كما قال صاحب كشف الخفاء: قلت ويؤده معنى حديث ما حلف بالطلاق مؤمن ولا استحلف به إلا منافق. رواه ابن عساكر. انتهى، هذا فيما يتعلق بحكم الحلف بالطلاق.
أما بخصوص ما صدر من أبيك من أيمان طلاق فمجمل القول فيه أنه إذا وقع منه حنث في ثلاث من هذه الأيمان وكان قاصداً بها إيقاع الطلاق فإن ذلك يقع كما نوى، وبالتالي فإن أمك قد بانت منه بينونة كبرى لا تحل له حتى تتزوج زواجا صحيحا ويدخل بها زوجها ثم يفارقها بموت أو طلاق، وأما إن كان يحلف بالطلاق بقصد الحث أو المنع ولم يقصد وقوع الطلاق بوقوع ما علقه عليه فإن الحكم كذلك عند جمهور أهل العلم، وعليه فإن كان ذلك وقع من أبيك فالواجب عليه مفارقة أمك في الحال لأنها أجنبية عنه لا يجوز له الخلوة بها فأحرى أن يفعل معها ما يفعل الزوج مع زوجته، وإن كان قد حصل ذلك منهما فيجب عليهما التوبة من ذلك والاستغفار؛ لأن ذلك يعد زنا، ولا يخفى ما في الزنا من القبح والحرمة، كما بينا في الفتوى رقم: 10108.
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن من حلف بالطلاق قاصداً مجرد التهديد أو المنع وحنث، فإنه لا يلزمه في ذلك إلا كفارة يمين ولو تكرر ذلك، ما دام لا يقصد بالحلف بالطلاق طلاقاً.
أما بالنسبة للأولاد الحاصلين من وطئه بعد أن طلق ثلاثا فإنهم يلحقون به ويحد في هذه الحالة إن كان عالماً بحرمة ما فعل، وهذا يعد من المسائل التي يجتمع فيها الحد والنسب، قال ميارة في شرح للعاصمية: من تزوج امرأة ويقر أنه طلقها ثلاثا وعلم أنها لا تحل له إلا بعد زوج، ووطئها وأولدها، فيحد ويلحق به الولد، أو يتزوج المرأة الخامسة ثم يقر أنها خامسة ويطؤها وهو يعلم أنها لا تحل له، أو يتزوج المرأة ويطؤها وهو يعلم أنها لا تحل له بنسب أو رضاع مع علمه بعدم حلية ذلك فيحد ويلحق به الولد في المسائل الثلاث. انتهى.
والله أعلم.