السؤال
كيف نجمع بين قول الله تعالى (منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى) (قد علمنا ما تنقص الأرض منهم )الآية الكريمة و بين قول الله تعالى (يوم تبدل الأرض غير الأرض و السماوات و برزوا لله الواحد القهار)؟ فإن الآية الأولى تفيد أن نفس الأرض التي منها خلقنا هي التي سنعود إليها و هي التي سنخرج منها و الآية الأخرى تفيد أن الأرض ستبدل؟ هل عندكم من علم في هذا الشأن ؟ وجزاكم الله خيرا
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا تعارض بين الآيات الكريمات التي ذكرها السائل الكريم، وتوضيح ذلك أن الآية الأولى جاءت في سياق بيان أن الله تعالى هو رب هذا الكون وخالقه والمتصرف فيه وحده لا شريك له: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى {طه: 53-55}. قال ابن كثير: أي الأرض مبدؤكم، فإن أباكم آدم مخلوق من تراب من أديم الأرض، وفيها نعيدكم، أي إليها تصيرون إذا متم وبليتم، ومنها نخرجكم تارة أخرى، بتأليف أجزائكم المتفرقة وجمع أشلائكم المختلطة بالتراب على الصورة السابقة ورد الأرواح إليها للبعث والحساب.
وأما الآية الثانية فهي رد على الكفار الذين ينكرون البعث ويقولون: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ. يستبعدون الرجوع إلى حياة أخرى، لأن أجزاءهم قد تفرقت في الأرض فيرد الله عز وجل عليهم بقوله: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُم.ْ من أجسادهم وما يتفرق فيها من دمائهم وأشعارهم، فالله تعالى قادر على جمع ذلك وإعادته من جديد.
وبذلك تعلم أن هذه الآية متفقة ومنسجمة مع التي قبلها، وهما كقوله تعالى: قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ {الأعراف: 25}. وما أشبهها.
وأما الآية الثالثة فهي عن أحوال يوم القيامة وأهوالها وانقلاب الكون وتبديله، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ {إبراهيم: 47-48}.
قال ابن كثير: سماء غير هذه السماء وأرض غير هذه الأرض، أي وعده هذا حاصل يوم تبدل الأرض غير الأرض وهي على غير هذه الصفة المألوفة المعروفة كما جاء في الصحيحين: يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها معلم لأحد.
قال الحافظ في الفتح: فيه إشارة إلى أن أرض الدنيا اضمحلت وأعدمت وأن أرض الموقف تجددت، فالحديث في هذه الآية عن أرض الميعاد التي يجمع عليها الأولون والآخرون، وأما في الآيتين الأوليين فعن أرضنا التي نعيش عليها في هذه الدنيا، وبذلك يتضح أنه لا تعارض بين الآيات المذكورة، ونرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 35709.
والله أعلم.