السؤال
أرجو الإجابة بالتفصيل من فضلكم ، حين كان عمري 7 سنوات تعرضت لحادث هو يؤرق حياتي إلى هذه اللحظة ، حيث كنت أنا وطفل في مثل سني نفعل أشياء لم نكن نعرف حتى معناها أوما هي ، كنا نتبادل أفعال مشينة مع بعضنا البعض فترة من الوقت قصيرة . وبعد مرور بضع سنين بدأت أعلم أن تلك الأشياء حرام وخزي ، وبدأت مشكلتي بسيطة لكنها كانت تزداد كل يوم بل كل لحظة حيث أصبت بعقدة نقص انعكست على حياتي كلها ، حيث كنت أظن أنني أقل من سائر الناس شأنا وقدرا وأثر ذلك على شخصيتي وتعاملي مع الآخرين ، بحيث أصبحت انطوائيا و أحب العزلة . ظللت على هذه الحالة كأنني أخفي جريمة وخطيئة كبرى ، وبدأت أشعر أن الناس تلاحقني بأبصارها ، إلى أن وصل سني 19 عاما كنت طالبا في الجامعة وذات يوم كنت جالسا مع صديق لي ، فمر ذلك الشخص (الذي حدثت معه القصة ) ، فظن أنني أتكلم عنه بشأن تلك الحادثة ، فأصبح يتكلم مع كل الناس عن تلك الحادثة وهنا صارت الفاجعة ، حيث ارتكبت أكبر غلطتين في حياتي، أولا : أنني تجاهلت الأمر وتركته يتكلم ظنا مني أن لا تحدث هذه العاقبة . ثانيا : ازددت انطواء وانعزالا حتى أصبح الأمر غير عادي وملفت للنظر . مما زاد الأمر تفاقما ، والآن وبسبب ذلك فضحت فضيحة كبرى لا أستطيع تحملها وصل الأمر إلى درجة أنني لا أحب أن أبرح البيت ولا أخرج منه إلا إلى العمل أو المسجد ، لشدة ضعفي وخوفي وصل الأمر إلى أنني أنظر اثنين يتكلمان عني وعن عرضي وشرفي ولا أفعل شيئا ، وأنا الآن في حال لا يعلمها إلا الله ، أشعر بذل لا يتحمله إنسان علما بأن عائلتي وأسرتي لا يعلمون شيئا عن هذا الأمر وما أردت أن أثير أية مشاكل للفت انتباههم . أو توريطهم معي ، لقد لجأت إلى الله وتضرعت له ودعوته والتزمت وتبت إليه، سؤالي هو : - ما المخرج من هذه المشكلة الكبرى ؟ - أنا أفكر في قتل بعض الأشخاص فهل قتلهم انتقاما للعرض والشرف يعد كبيرة (لا أريد أن أخسر آخرتي أيضا ) ؟ ما هو موقف الشارع ؟ كيف أتعامل مع من يفتري علي .- كيف أصبر و أحتسب على هذا البلاء وهل هذا قضاء وقدر أم أنا الذي تسببت في ذلك ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يشرح صدرك ويذهب همك وغمك. واعلم أن من سعة رحمة رب العالمين أن العبد إذا ألم ببعض المعاصي قبل مرحلة التكليف وبلوغ الحلم ـ فإنه لا يؤاخذ ولا يدون عليه شيء في موازين سيئاته، فقد قال صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقط، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل. رواه أحمد والترمذي. ثم لماذا تعتزل الناس لذلك الذنب الذي ألممت به في صغرك، وهل في الناس من لم يعص الله؟ فلعل من تخاف من نظرته إليك يكون بينه وبين الله من المعاصي والتفريط ما الله به عليم. ثم اعلم أن العبد بعد بلوغه وتكليفه إذا فرط في جنب الله وارتكب بعض المعاصي ولو كانت عظيمة ثم تاب إلى الله من ذلك، فإن الله يفرح به ويقبل توبته، بل ويبدل سيئاته إلى حسنات يثقل بها موازينه يوم القيامة. قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً*إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً {الفرقان:68ـ70}. وإن من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان قبل إسلامه يعاقر ويفعل الفاحشة ويأكل أموال الناس ظلماً إلى غير ذلك من كبائر الذنوب، ثم لما أسلموا تابوا وأصبحوا عبادًا زهاداً مجاهدين قائمين بأمر الله، ولم يعيرهم أحد بأن لهم ماضيا يُستحيى منه، بل إن تذكرهم لماضيهم ما زادهم إلا استشعار نعمة الله وفضله أنه جعل خواتيم أعمالهم صحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، فلا تجعل ما ضيك الذي تبت منه وندمت عليه مقعداً لك عن مخالطة الناس وعائقاً عن القيام بجميع أعمالك في الحياة. وكون ذلك الشخص قد جعل الناس تلوث سيرتك، فاعلم أنه لا يسلم من الناس أحد، وأنهم سينشغلون بغيرك، فهذا هو الشأن في الطغام الذين لاهم لهم إلا قيل وقال. وإن كان ذلك الشخص مفترياً عليك بالفاحشة، فإنه يكون مرتكباً لكبيرة من أعظم الكبائر، بل هي من الموبقات السبع وهي القذف، ومثله ترد شهادته ويستحق أن يجلد ثمانين جلدة. وانظر الفتوى رقم: 8191. فكِل أمره إلى الله، واصبر على ما ابتليت به، فإن النصر مع الصبر، واعلم أن ما أنت فيه من الهموم والأحزان يكفر الله عز وجل بها سيئاتك تفضلاً منه جلا وعلا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولاهم ولا حزن ولا أذى ولاغم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. رواه البخاري. وهذا الذي يؤذيك ويفتري عليك ظاناً أنك قد فضحته وذكرت ما ضيه، حاول أن تبين له أنك لم تفضحه وأنه فهم خطأ لعله يرعوي ويترك الكلام في عرضك. وحذارأن تحاول قتله، فإن ذلك من كبائر الذنوب، فقد قال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً{النساء:93}. وقال صلى الله عليه وسلم: لايزال العبد في فسحة من دينه مالم يصب دماً حراماً. رواه البخاري. ولاشك أن ما أنت فيه من البلاء هو من قضاء الله وقدره، وإن كنت أنت السبب فيه، فما من شيء يكون في الكون إلا بعلم الله وإذنه، قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ{الحديد:22}. وقال أيضا: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {التغابن:11}. قال ابن عباس: " في قوله: " إلا بإذن الله" إلا بأمر الله، يعني من قدره ومشيئته، (ومن يؤمن يهد قلبه) أي ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله جازاه الله تعالى بهداية قلبه التي هي أصل كل سعادة وخير في الدنيا والآخرة. اهـ. هذا، ونوصيك أن تبذل وسعك في اتخاذ رفقة صالحة من أهل الإيمان، فإن إخوان الصدق من أعظم ما يعين بعد الله على مشاق الحياة، فاشترك معهم في طلب العلم النافع، واعبد الله معهم، وابدأ معهم حياة جديدة تحقق أهدافاً سامية كحفظ القرآن ونحو ذلك. ولمزيد فائدة انظر الفتوى رقم: 53043.
والله أعلم.