الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خفاء الحمل والأخذ بقول القائف

السؤال

أرجو شرح هذين الحدثين شرحا مفصلا مع مقارنة ما يقوله الطب الحديث: وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ أَنَّ امْرَأَةً هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَاعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ حِينَ حَلَّتْ فَمَكَثَتْ عِنْدَ زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَنِصْفَ شَهْرٍ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا تَامًّا فَجَاءَ زَوْجُهَا إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَدَعَا عُمَرُ نِسْوَةً مِنْ نِسَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ قُدَمَاءَ فَسَأَلَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ أَنَا أُخْبِرُكَ عَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا حِينَ حَمَلَتْ مِنْهُ فَأُهْرِيقَتْ عَلَيْهِ الدِّمَاءُ فَحَشَّ وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا فَلَمَّا أَصَابَهَا زَوْجُهَا الَّذِي نَكَحَهَا وَأَصَابَ الْوَلَدَ الْمَاءُ تَحَرَّكَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا وَكَبِرَ فَصَدَّقَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ عُمَرُ أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنِي عَنْكُمَا إِلَّا خَيْرٌ وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْأَوَّلِ وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُلِيطُ أَوْلَادَ الْجَاهِلِيَّةِ بِمَنْ ادَّعَاهُمْ فِي الْإِسْلَامِ فَأَتَى رَجُلَانِ كِلَاهُمَا يَدَّعِي وَلَدَ امْرَأَةٍ فَدَعَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَائِفًا فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَقَالَ الْقَائِفُ لَقَدْ اشْتَرَكَا فِيهِ فَضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالدِّرَّةِ ثُمَّ دَعَا الْمَرْأَةَ فَقَالَ أَخْبِرِينِي خَبَرَكِ فَقَالَتْ كَانَ هَذَا لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ يَأْتِينِي وَهِيَ فِي إِبِلٍ لِأَهْلِهَا فَلَا يُفَارِقُهَا حَتَّى يَظُنَّ وَتَظُنَّ أَنَّهُ قَدْ اسْتَمَرَّ بِهَا حَبَلٌ ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهَا فَأُهْرِيقَتْ عَلَيْهِ دِمَاءٌ ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا هَذَا تَعْنِي الْآخَرَ فَلَا أَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ قَالَ فَكَبَّرَ الْقَائِفُ فَقَالَ عُمَرُ لِلْغُلَامِ وَالِ أَيَّهُمَا شِئْتَ

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فليس في الحديثين ما يحتاج إلى الشرح، لوضوح ألفاظهما. وبما أنك طلبت ذلك فسوف ننقل لك ما شرحهما به الإمام الزرقاني في حاشيته على الموطأ، واقتصرنا على هذا الشرح القصير طلبا للاختصار.

الخبر الأول: (أن امرأة هلك) مات (عنها زوجها فاعتدت أربعة أشهر وعشرا ثم تزوجت حين حلت) بحسب الظاهر (فمكثت عند زوجها أربعة أشهر ونصف شهر ثم ولدت ولدا تاما فجاء زوجها إلى عمر بن الخطاب فذكر ذلك له) لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر (فدعا عمر نسوة من نساء الجاهلية قدماء) بضم ففتح والمد جمع قديمة أي مسنات لهن معرفة (فسألهن عن ذلك ) ليعلم هل يصح خفاء الحمل على المرأة مع تيقنها انقضاء العدة (فقالت امرأة منهن أنا أخبرك عن) حال ( هذه المرأة هلك عنها زوجها حين حملت منه فأهريقت ) صبت بكثرة (عليه) أي الحمل (الدماء) بالرفع نائب الفاعل (فحش) بفتح الفاء وضم الحاء المهملة وفتحها وشين معجمة قال أبو عبيد الهروي أي يبس (ولدها في بطنها) فلم يتحرك لضعفه. وقال غيره معناه ضمر ونقص (فلما أصابها) وطئها (زوجها الذي نكحها) عقد عليها (وأصاب الولد) مفعول فاعله (الماء تحرك الولد) في بطنها (وكبر) بكسر الباء لانتعاشه بالماء (فصدقها عمر بن الخطاب وفرق بينهما) لأنه تزوج في العدة (وقال عمر أما) بخفة الميم (إنه لم يبلغني عنكما إلا خير) للعذر المذكور (وألحق الولد بالأول) الميت لأنه ولده إذ الولد للفراش.

الخبر الثاني: (كان يليط) بضم الياء وكسر اللام يلصق أي يلحق (أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام) إذا لم يكن هناك فراش لأن أكثر أهل الجاهلية كانوا كذلك وأما اليوم في الإسلام بعد أن أحكم الله شريعته فلا يلحق ولد الزنى بمدعيه عند أحد من العلماء كان هناك فراش أم لا قاله أبو عمر. (فأتى رجلان كلاهما يدعي ولد امرأة فدعا عمر قائفا) بقاف ثم فاء (فنظر إليهما فقال القائف لقد اشتركا فيه فضربه) أي القائف (عمر بالدرة) بكسر المهملة وشد الراء لأنه كان يظن أن ماءين لا يجتمعان في ماء واحد استدلالا بقوله تعالى إنا خلقناكم من ذكر وأنثى سورة الحجرات الآية 13 ولم يقل من ذكرين لا لأنه لم ير قوله شيئا كما زعمه بعض من لا يرى القافة فإن قضاء عمر بالقافة أشهر من أن يحتاج إلى شاهد ألا ترى أنه حكم بقول القائف فقال وال أيهما شئت قاله الباجي. (ثم دعا المرأة فقال أخبريني خبرك فقالت كان هذا) تشير (لأحد الرجلين يأتيني وهي) التفات والأصل وأنا (في إبل لأهلها فلا يفارقها حتى يظن) هو (وتظن) هي (أنه قد استمر) أي دام وثبت (بها حبل) بفتح المهملة والموحدة أي حملت بالولد (ثم انصرف عنها فأهريقت) بضم الهمزة هي (عليه دما ثم خلف عليها هذا تعني الآخر فلا أدري من أيهما هو) أي الولد (قال) سليمان (فكبر القائف) سرورا بموافقة قوله (فقال عمر للغلام وال أيهما) أي الرجلين (شئت) وبه قال ابن القاسم ورواه عن مالك أنه يوالي إذا بلغ من شاء منهما وله موالاتهما جميعا ويكون ابنا لهما عند ابن القاسم.

وفيما يتعلق بالمقارنة بين هذا وبين ما يقوله الطب الحديث، فإنا –رغم عدم علمنا بالطب القديم والحديث- لم نجد فيما ورد في الحديثين ما يدعو إلى الحيرة. فالأثر الأول إنما أورد قصة امرأة تزوجت وهي حامل من زوج سابق، وكانت تحسب أن عدتها قد انقضت. ودليل سبق حملها أنها قد ولدت بعد أربعة أشهر ونصف شهر ولدا تاما. وفي كتاب الله العزيز ما يدل على أن أقل أمد للحمل هو ستة أشهر بدليل قول الله تعالى: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا - {الأحقاف: 15}. وقوله في آية أخرى: وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ - { لقمان:14}. فبان من هذا أن أقل الحمل ستة أشهر التي هي الفرق بينهما في الآيتين. ولا غرابة في أن يخفى على المرأة حملها. وإذا كان الطب الحديث يقول بخلاف هذا –وهو مستبعد- فإنه لا يلتفت إلى ما يقوله.

وأما الأثر الثاني فهو يروي قصة امرأة في الجاهلية قد التبس أمر حملها فألحقه القائف برجلين كان لكل منهما بها علاقة، وقد خير الخليفة عمر رضي الله عنه الغلام في الانتساب إلى أيهما شاء. وهذا قضاء منه -رضي الله عنه- بكلام أهل القافة. ولا علم لنا بما يقوله الطب الحديث في هذا أيضا. فلك أن تتوجه به إلى المختصين بذلك الفن.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني