السؤال
وفقكم الله في الدنيا وفي الآخرة.. سؤالي هو: كيف تم نزول سورة الكوثر على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وهو مغفى عليه كما ورد في الحديث؟ علماً بأن الوحي كان يوحي إليه وهو على اليقظة التامة والإدراك والوعي. أفيدونا كيف نربط نزول الوحي في حالة الإغفاء وفي حالة اليقظة والوعي التام؟
وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف أهل العلم فيما إذا كانت سورة الكوثر قد أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم أم في اليقظة.
قال السيوطي في الإتقان في علوم القرآن: وأما النومي فمن أمثلته سورة الكوثر، لما روى مسلم عن أنس قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما فقلنا: ما أضحكك يا سول الله؟ فقال: أنزل علي آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ {الكوثر: 1-3}.
وقال الإمام الرافعي في أماليه: فهم فاهمون من الحديث أن السورة نزلت في تلك الإغفاءة وقالوا: من الوحي ما كان يأتيه في النوم لأن رؤيا الأنبياء وحي، قال: وهذا صحيح لكن الأشبه أن يقال إن القرآن كله نزل في اليقظة وكأنه خطر له في النوم سورة الكوثر المنزلة في اليقظة أو عرض عليه الكوثر الذي وردت فيه السورة فقرأها عليهم وفسرها لهم، ثم قال: وورد في بعض الروايات أنه أغمي عليه، وقد يحمل ذلك على الحالة التي كانت تعتريه عند نزول الوحي ويقال لها برحاء الوحي. انتهى
قال السيوطي: قلت: الذي قاله الرافعي في غاية الاتجاه وهو الذي أميل إليه قبل الوقوف عليه، والتأويل الأخير أصح من الأول لأن قوله أنزل علي آنفاً يدفع كونها نزلت قبل ذلك، بل نقول نزلت في تلك الحالة وليس الإغفاء إغفاء نوم بل الحالة التي كانت تعتريه عند الوحي فقد ذكر العلماء أنه كان يؤخذ عن الدنيا. (1/71).
وقد تبين من هذا النقاش ما يزيل الإشكال، مع أنا لو افترضنا أن السورة قد أنزلت عليه في النوم، لما كان في ذلك ما يدعو إلى الاستغراب، لأن رؤيا الأنبياء وحي، كما تقدم.
والله قادر على أن يفعل ما يشاء، وقد خص أنبياءه بخصائص كثيرة، تخالف ما عليه سائر المخلوقات.
والله أعلم.