السؤال
ما حكم من عاهد الله على شيء وهو عدم التأخر عن صلاه الجماعة فحدث خطأ تأخير، وفاتت الجماعة مع العلم أن الخطأ نتيجة للتقصير وليس للعمد، أرجو الإجابة مباشرة وعدم تحويلي على إجابات سابقة، وإذا كان هناك عدة آراء أرجو عرضها؟ وجزاكم الله كل خير على مجهوداتكم .
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف أهل العلم في صيغة أعاهد الله على كذا، فذهب الحنفية إلى أنها من الأيمان لأن اليمين هي عهد الله على تحقيق شيء أو نفيه. قال الله تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا {النحل: 91} فجعل العهد يمينا. قال صاحب الاختيار من الحنفية: ولو قال لعمر الله أو عهد الله فهو يمين.
وللمالكية قولان كما في مختصر خليل: وفي أعاهد الله قولان.
وقال الدردير في شرحه: أظهرها ليس بيمين، وسلم له ذلك الدسوقي في حاشيته، أما الحنابلة فمذهبهم أنها يمين. قال ابن قدامة في المغني: إذا حلف بالعهد أو قال عهد الله وكفالته، فذلك يمين يجب تكفيرها إذا حنث فيها.
واما الشافعية فذهبوا إلى أنها لا تكون يمينا إلا بالنية كما في تحفة المحتاج وغيره، وهذا رواية عن أحمد كما في الإنصاف، والراجح أنها تارة تكون يمينا ونذرا وتارة يمينا فقط، فإن التزم بها قربة وطاعة فهي نذر ويمين كما لو قال أعاهد الله أن أحج هذا العام، وكما في قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ {التوبة: 75}
وإن التزم بها ما ليس بقربة فهي يمين لا نذر كما لو قال: أعاهد الله أن لا أكلم فلانا، وإلى هذا التفصيل ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية فقال رحمه الله: فإذا قال أعاهد الله أني أحج العام فهو نذر وعهد ويمين، وإن قال لا أكلم زيدا فيمين وعهد لا نذر.
وثمرة هذا التفصيل أن ما كان نذرا وأمكنه فعله لزمه ذلك ولم تجزه كفارة يمين، أما ما كان يمينا فهو مخير بين أن يمضي إن كان في غير معصية أو يكفر كفارة يمين، وينبغي هنا أن ننبه إلى أن شأن العهد عند الله عظيم. فقد نقل ابن قدامة في المغني عن الإمام أحمد أنه قال : العهد شديد في عشرة مواضع من كتاب الله، وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا
ويتقرب إلى الله تعلى إن حلف بالعهد وحنث ما استطاع، فإن عائشة رضي الله عنها أعتقت أربعين رقبة ثم كانت تبكي حتى تبل خمارها وتقول واعهداه، يعني عندما عاهدت الله أن لا تكلم ابن الزبير ثم رجعت وكفرت.
والحاصل أن عليك الكفارة إذا تخلفت عن صلاة الجماعة متعمدا، أما إذا تخلفت عنها غير متعمد فلا كفارة عليك إلا إذا كنت حلفت على أنك لا تتخلف عنها عمدا ولا سهوا فتلزمك الكفارة في الحال، لأنك حلفت على ممتنع عادة، ومن حلف على فعل ممتنع عادة انعقد يمينه ولزمته الكفارة حالا. قال الرحيباني: ولو حلف مثبتا له أي لفعل مستحيل لذاته أو مستحيل عادة كقوله والله ليشربن ماء الكوز ولا ماء فيه أو ليقتلنه أي الميت أو ليصعدن السماء تنعقد يمينه ويحنث بها وتجب عليه الكفارة في الحال لاستحالة البر في المستحيل.
والله أعلم.