الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دين المرء هو رأس ماله

السؤال

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسولنا وحبيبنا محمد وعلى أصحابه أجمعين... أما بعد:
فوالله لا أدري أفتوى أريد أم استشارة فوالله إني في حيرة عظيمة وهمّ كبير حاولت الخروج من المأزق لوحدي ولكني ربما فشلت وقصتي بدأت منذ أربعة سنوات حيث منّ الله عليّ من فضله وكرمه والتزمت بتعاليم الدين الحنيف وقدّر الله أن أكون في بيئة سلفية وهذا فضل آخر من الله فبدأت رحلة الالتزام وكانت أجمل الأيام فبدأت بقراءة القرآن وصلاة وصيام النوافل والعمرة وقراءة الكتب لعلمائنا ممن يتبع منهج أهل السلف فقرأت لابن تيمية وشروحات ابن العثيمين والمحدّث الشيخ الألباني، وكنت دائم الحضور لمحاضرات طلاب العلم وبالذات طلاب الشيخ الألباني, وخلال فترة بسيطة ورغم ساعات عملي الطويلة حفظت جزءاً كبيراً من القرآن وبدأت أقرأ أمام أحد طلاب العلم لتحسين النطق, فخلال فترة بسيطة كان يسألني بعض الأسئلة ممن كانوا ملتزمين منذ فترة طويلة وكنت لا أخجل من أي سؤال لأهل العلم أشعر بأنه مفيد لي مع أني أكون مرتبكا جداً عندما أجلس مع أهل علم أو طلاب علم وارتباكي ربما يكون من تقديري العظيم لهؤلاء المشايخ, وكنت لا أخجل من النهي عن المنكر والأمر بالمعروف وسبب ذلك لي بعض المشاكل رغم والله أني كنت أحاول أن أكون ليناً وبعد هذا العمل الذي أسال الله العلي القدير أن يحفظه لي وقعت المشكلة وهي تتلخص أن إخوة ملتزمين اقترحوا فتح شركة برامج كمبيوتر على أن تعمل في الحلال وتبعد عن الشبهات في المعاملات الذي تتورط فيه كل الشركات التي نعمل بها, على أن يترك أحد الأخوة عمله والباقي يعمل بها بعد انتهاء عمله وبالفعل بدأنا العمل بها فأصبحنا نغادر العمل الساعة 12 منتصف الليل, فأصبحت لا أقرأ القرآن كل يوم بل كل ثلاثة أيام وعدد صفحات أقل وأصبحنا لا نصلي الفجر جماعة إلا كل ثلاثة أيام لأن الأستيقاظ من النوم أصبح صعباً فشكوت هذا للإخوة وقلت لهم إننا اصبحنا نقصر في واجباتنا الدينية فكان جوابهم أننا بعملنا هذا نريد أن نثبت أقدامنا ومن ثم نترك أعمالنا ونترك الشبهات والعمل عبادة وما تركناه كان نوافل وسنن نسأل الله تعويضها وبالعكس في صلاتي المغرب والعشاء نترك العمل ونذهب نصلي جماعة وهذا دليل على حسن نيتنا, وخلال هذه الفترة استلمت مركزاً مرموقاً في الشركة فأصبحت كثير السفر إلى بلاد إسلامية "لكنها بلاد فسق والعياذ بالله" فتبدّل الأمر كله فأصبحت أمل ولا أرغب من القيام بالأعمال الدينية من قراءة القرآن والكتب وأصبحت أتأخر عن الجماعات بعد فوات الركعة الأولى وقد كنت أجاهد نفسي على أن لا تفوتني تكبيرة الإحرام أربعين يوما حتى يكون لي براءتان من النار والنفاق, أصبحت أصلي الفجر جماعة مرة أو مرتين في الأسبوع فقط بعدما كنت أعاقب نفسي وأضربها إن فاتني الفجر, أصبحت أتكاسل في مراجعة الحفظ وبدأت أنسى ما حفظته بعدما كنت كل ليلة أراجع شيئا مما أحفظه حتى أنني كنت أفعل ذلك وأنا على السرير, الأذكار أصبحت أنساها كثيراً ولكن كل ذلك هين مقابل مما أصبحت أفعله من إطلاق البصر والنظر المحرم وكل مرة أبكي بكاء كثيراً وأقول في نفسي إن الله سترني ولم يقبض روحي وأنا أطلق بصري فهل سأعود؟ ولكن أخشى أن يصبح الأمر عادياً لأنني أتذكر أن أسوأ يوم كان عندي عندما كنت أترك الفجر جماعة أو عندما لم أراجع الحفظ والأمر أصبح عادياً الآن وأضع المبررات لذلك, فأنا أعترف وأقر أني في طريق الخطأ وبدأت أخاف على نفسي من الهلاك ومن الأمور التي تزعجني الآن هي حبي للجنس بطريقة مجنونة حتى إن زوجتي تستغرب ذلك وبدأ الوسواس يدخل قلبي في ممارسات شاذة كانت منذ القريب مقززة وكنت من الناصحين لتركها حتى أن أحدهم قال لي لا أستطيع تركها فذكرت له أحاديث المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام بأنه ملعون من يفعل ذلك وأن الله لا ينظر إليه يوم القيامة فرباه ساعدني على ما أنا فيه, التخيل الجنسي أصبح هاجسي وأحاول تركه لكني أبرر بعدم استطاعتي لذلك رغم أنه كان ممكنا ذلك منذ القريب فرباه ساعدني، لحيتي كان قمة مشاكلي أن يقول أحدهم لي خففها الآن أقول لو أحلقها أجمل أنا لم أفعل ذلك، ولكن هذا أصبح حالي رباه ساعدني على همّي وخوفي فرمضان قادم وسبحان الخالق كيف كان رمضان الماضي وهذا رمضان!!! فالقيام وختمة القرآن وعدم ترك أي جماعة والسعي للمساجد مبكراً فرباه ساعدني فوالله أنا أصبحت أخجل من النهي عن المنكر والأمر بالمعروف لأنني أصبحت صاحب معاصي فربما الأمر الوحيد الجيد الذي ما زلت أحتفظ به هو عدم الغيبة! الأمر سيكون سيئاً إذا استمرت حالة الملل وعدم الرغبة في فعل أي شيء من النوافل لأنها ستجرني إلى المعاصي كإطلاق البصر وربما غير ذلك في المستقبل, فأصبحت هذه الشركة بداية مأساتي، ادعوا لي بالثبات وحسن الخاتمه؟ وأتمنى أن تصلني نصائحكم قبل رمضان.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله لنا ولك ولجميع المسلمين التوبة والاستقامة على طاعته، والثبات على دينه، واعلم أن السبيل إلى التوبة والاستقامة والثبات على الدين هو الاستعانة بالله تعالى، والالتجاء إليه سبحانه، والعمل بمقتضى كتابه، واتباع هدي رسوله صلى الله عليه وسلم، ومصاحبة أهل الخير الذين يدلون على طاعة الله تعالى ويرغبون فيها، ويحذرون من طاعة الهوى، وإغواء الشيطان.

مع البعد عن قرناء السوء المنحرفين عن سبيل الهدى المتبعين للهوى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة. متفق عليه.

وقد قيل سابقاً:

عن المرء لا تسأل واسأل عن قرينه * فكل قرين بالمقارن يقتدي

واعلم -أيها الأخ الكريم- أنك قد عرفت السبب فيما حصل لك، فلا عذر لك في الاستمرار على الحال التي أنت عليها، فبادر إلى التوبة وإذا تعين الابتعاد عن تلك الشركة وسيلة إلى التوبة فلا تتردد في الابتعاد عنها ما دامت هي السبب لما حل بك، وعد إلى ما كنت عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقراءة القرآن، والصلاة في الجماعة، والأذكار، والنوافل، وغض البصر عن الحرام، وغير ذلك مما بينته في سؤالك.

واعلم أن دين المرء هو رأس ماله، وأن ما أجابك به شركاؤك من أنكم بعملكم هذا تريدون أن تثبتوا أقدامكم، ومن ثم تتركون أعمالكم وتتركون الشبهات، وأن العمل عبادة... هو في الحقيقة جواب غير صحيح، وواضح منه أنه خطوة من خطوات الشيطان التي يستدرج بها من يطيعه، وقد تبين لك ذلك مما آل إليه أمرك، فلا تتوان في التوبة وأخذ الطريق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني