الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

البلاء الحقيقي في الدين لا في الدنيا

السؤال

أنا متزوجة و أقيم فى أمريكا و لقد من الله على بفضله بولد ست سنوات و بنت ثلاث سنوات ومنذ ولدتها أصبت بالآم فى الفك و الرقبة و الأكتاف و الذراعين و الظهر و تطورت لتصيب الجسم كله و طفت على الأطباء و تشخيصهم أن عضلاتى فقدت مرونتها نتيجة الضغط العصبي و ازداد ألمى لأن العلاج غير مجد و أصبت بالاكتئاب الشديد منذ ثلاث سنوات و أخذت أتعالج من الاكتئاب خلال هذه السنوات و تلقيت علاجا طبيعيا لعضلاتى و فقراتى التى خرجت من مكانها بلا جدوى بل زاد اكتئابى لعدم وجود شيء يساعدنى و قال الأطباء لا علاج لحالتى مما زاد آلامى و حيرتى و من الأطباء من قال عملية للفقرة المنزلقة ربما يساعد على التخفيف من الآلم ولكن بلا تأكيد فهى تجربة
و هكذا مع الوقت قررت وقف علاج الاكتئاب لضيقى أن آخذ شيئا غير طبيعى ليساعدني و لظني أني أستطيع تحمل الألم بدونها و الآثار الجانبية أيضا و لكن بعد أن أوقفته ظهرت الآلام شديدة جدا و طفت مرة أخرى على الأطباء ولكن نفس الكلام علاج طبيعى أو عملية مع أخذ حبوب الاكتئاب بعد أن عانيت وأنا أبطلها لأعراضها الانسحابية الشديدة و ذهبت لأمكث مع أهلى ليساعدونى و أوقفها و لكنها إرادة الله أن يشتد الحزن والاكتئاب لدرجة قوية بعد توقف الدواء و بعد عودتى لبلاد الغربة و لم أنقطع عن البكاء و الذهاب إلى عيادات الأطباء مع الدعاء و التضرع إلى الله أن يخرجنى من آلامى الشديدة والاكتئاب و الغربة و ضاقت فى وجهى السبل فآلامي مزمنة و أحزانى كما قال لى الطبيب مزمنة أيضا و أنا أخاف على أولادي و أنا في الغربة لاأملك من أمري و أمرهم شيئا و لا أستطيع مساعدتهم و مساعدة نفسي لقد كرهت أن أبقى في الغربة و لكن زوجي عمله هنا و أريد العودة لأهلي ووطني و أحن كل يوم و أبكي و أدعو الله أن يشفينى و أعود لبلدي مصر و لكن كل من حولي يقولون لا تعودي فمصلحة أولادك في أمريكا حيث التعليم و التقدم و لوجود عمل زوجي فيها و لكني أصبحت مريضة حزينة و أحس بالوحشة و أبكي و أريد العودة أمامي اختيار أن آخذ حبوب الاكتئاب مرة أخرى و أستسلم لحكم أطباء أمريكا و حتى أبقى في أمريكا و يبقى أولادي و لكني لا أحب هذه الحبوب أليس الله قادرا أن يشفيني بدونها
أريد العودة إلى مصر و لكن والداي يخافان أن أضيع حياتي و أولادي معي إذا عدت هل كتب علي أن أغترب و لا أستطيع العودة إلى بلدي التي أحبها و أحس أن حالتي ممكن أن تتحسن و لو قليلا هناك و لكن زوجي يحب أمريكا و ابني أيضا و هذا يقف حائلا أن عود هل لي أن أعود و أتوكل على الله بدون زوجي بدلا من عذابي وحدي ولا أنفع أولادي لمرضي و لا نفسي فقط مريضه مكتئبة هل أستطيع ترك زوجي وحده إلى أن يجمعنا الله فقد مرضت من الغربة و لا أطيقها مع وجود مرض العضلات أم آخذ حبوب الاكتئاب و أصبح سجينتها مرة أخرىهل لي أن أختار و هل أنا بهذا أكون آثمة و سيعاقبنى الله أكثر؟
هل إذا توقفت عن زيارات الأطباء و لم آخذ علاج الاكتئاب و اكتفيت بالتوكل على الله أكون مخطئة مع أني ذهبت إلى كثير من الأطباء و لم أدع علاجا جديدا وقديما إلا جربته وسعيت و أنفقت كثيرا و لكن كله بيده و إذا مرضت فهو يشفين و هل دعائى لن يستجاب لأني أعيش في بلاد الكفر مأكلي حرام لأن أحيانا نأكل من أكلهم مضطرين لظروف مرضي وهل و تكون بهذا سدت كل الطرق في وجهي لقد تعبت و أتمنى الموت ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم لك الشفاء العاجل ، وأن يفرج همك ويزيل غمك إنه سبحانه على كل شيء قدير .

وعليك بالمداومة على الرقية الشرعية وتلاوة القرآن وذكر الله تعالى والمحافظة على صلاتك وسائر ما أوجب الله عليك .

ونذكرك أيتها الأخت بأن الله تعالى الذي خلقك من العدم، ورزقك وأنت نطفة، وصورك فأحسن تصويرك، وخلق قلبك النابض ودمك الجاري وجوارحك المتحركة قادر على شفائك فأكثري من الدعاء ، واعلمي أن عاقبة الدعاء خير ، وما يظنه الناس أن إجابة الدعاء محصورة في تلبية ما طلب الداعي غير صحيح، ففي مسند الإمام أحمد ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم أو قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يكشف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذاً نكثر. قال: الله أكثر .

والله تعالى يبتلي عباده فإن صبروا فلهم الأجر وإن سخطوا فلهم السخط، وتذكري ما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لعطاء : ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قال بلى : قال : هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي . قال: إن شئت صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك ، قالت: أصبر . قالت: فإني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها . وانظري الفتوى رقم: 25111 . ففيها بيان منزلة الصابرين ، وننصح بمطالعة الفتوى رقم : 51946 . لبيان أن الدنيا دار البلاء ، ونقول لك أيتها الأخت الكريمة : احمدي الله تعالى أن جعل بلاءك في الدنيا لا في الدين ، واعلمي أن من ابتلي بأصناف الأوجاع والأمراض وهو صابر محتسب خير له من أن يكون صحيح البدن معافى الأعضاء وهو مبتلى بترك الصلاة أو فعل الذنوب ، لأن الأول مبتلى في دنياه وهي إلى زوال ومقام الإنسان فيها وإن طال فهو قصير ، وأما الثاني فبلاؤه في دينه ، ومن خسر دينه خسر آخرته ، ومن خسر آخرته فقد خسر كل شيء قال تعالى : قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ {الزمر : 15 }

وأما بشأن حكم العلاج والتداوي فسبق تفصيل ذلك في الفتوى رقم : 27266 . والفتوى رقم: 30645 .

وأما سفرك بغير إذن زوجك فلا يجوز ، بل عليك طاعته والبقاء بجواره والعناية بأولادك فهم بحاجة إلى عاطفتك وحنانك . فإن أذن لك زوجك في السفر إلى أهلك والمقام عندهم فلا مانع من سفرك على أن يصحبك حال السفر محرم ؛ لما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم .

ولا يخفى عليك أن أكل ما هو محرم لا يجوز إلا في حال الضرورة الملجئة كالمضطر لأكل الميتة، ولا يخفى عليك أنكم لم تبلغوا مثل هذه الحالة .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني