السؤال
يوجد مصنع تحت منزلي مباشرة يعمل لي إزعاج سواء من أصوات أو روائح المهم تقدمت للمسؤولين حتى يغلق وبالفعل كان سيغلق ولكني فوجئت بأصحاب المصنع يكلمونني ويتعللون بأن المصنع فيه ناس كثير يرتزقون منه وحرام قطع أرزاقهم المهم سكت علي شرط أن لا يسهروا للصبح في المصنع ويغلقوه في وقت مناسب ليلا مع العلم أنهم كان عليهم أقساط شهرية للمصنع لأنه في منزلي ولكني فوجئت بعد أن خلصت هذه الأقساط استمروا في دفعها شهريا فقلت لهم إن الأقساط انتهت خلاص فقالوا لي نحن نضرك بصوت الماكينات فهذا أقل تعويض فبصراحة لا أدري ماذا أفعل هل أستمر في أخذ المال الذي سامحوا فيه بسبب الإزعاج أم أوقف هذا المبلغ وهل هو حلال أم حرام؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كنت قد تعاقدت مع أصحاب المصنع على أن يضعوه تحت منزلك مقابل أقساط شهرية يدفعونها لك مدة من الزمن، فليس من حقك إغلاقه بعد ذلك ولو سبب لك إزعاجا، طالما أنهم لم يُخِلَّوا بما اتفقتم عليه من الشروط. لأنهم قد ملكوا البقعة التي وضعوه فيها بما دفعوه لك من الأقساط، ولأن "المسلمين على شروطهم" كما في الحديث الشريف الذي رواه أبو داود وصححه السيوطي.
وإذا تقررت أحقيتهم في استمرار المصنع فليس من حقك أيضا أن تأخذ منهم شيئا من المال مقابل سكوتك عنهم. لأنه أكل لأموال الناس بغير حق، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ {النساء 29}.
وكذا الحال فيما إذا لم يكن المصنع في ملكك، وإنما هو مجاور لك فقط، فإن أخذ المال عن أي شيء من ذلك يعتبر من أكل المال بالباطل.
وإن أحدثوا روائح أكثر مما اشترط، وكنت تتضرر بذلك فلا مانع حينئذ من توقيفهم عنها عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك. ولأن هذا يندرج تحت القاعدة الفقهية المشهورة: الضرر يزال. وقال خليل بن إسحاق في مختصره: وبمنع دخان كحمام ورائحة كدباغ وأندر قبل بيت...
وأما إحداث الأصوات فقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان من الضرر الذي تجب إزالته أم لا. قال المواق عند قول خليل: (وصوت ككمد): ابن عرفة: في ضرر صوت الحركات طرق: روى ابن القاسم: من أحدث رحا تضر بجاره منع. الباجي: أما الرحا إن ثبت أنها تضر بجدرات الجنان منع منها, وأما صوتها فقال مطرف وابن الماجشون في الغسال والضراب يؤذي جاره وقع صوتهما: إنه لا يمنع، وتحتمل رواية ابن القاسم الخلاف. ووجه الأول: إنما ذلك في الصوت الضعيف ليس له كبير مضرة أو ما لا يستدام, وأما ما كان صوتا شديدا مستداما كالكمادين والصفارين والرحا ذات الصوت الشديد فإنه ضرر يمنع منه كالرائحة...
وإذا قلنا بأن لك الحق في توقيفهم، فإن في أخذ المال مقابل ذلك نظرا. فقد أجاز فقهاء المالكية الاعتياض عن حق الشفعة، كما أجازوا للمرأة أن تهب يومها لضرتها بعوض، وأجاز بعض الحنفية النزول عن الوظائف في مقابل مال، وأجازا معا (الحنفية والمالكية) إسقاط حق الحضانة بعوض.
وهذه الحقوق ليست مالا متقوما فتباع، ولكن يؤخذ المال في مقابل التنازل عنها.
ولكنك لو تركت هذا المال، كان ذلك أقرب إلى الورع والاحتياط للدين. قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. رواه الترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم: فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام. رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
والله أعلم.