فليس للأب في مرض موته تصرف, وإذا وهب هبة أو أعطى عطية فإنها تأخذ حكم الوصية، وقد بينا المعتبر في مرض الموت وضابطه وحكم الهبة فيه سواء كانت لوارث أو غيره في الفتوى رقم: 47439
وتصرف الأب هنا غير صحيح عفا الله عنه, فالهبة في مرض الموت تعتبر وصية, قال ابن عرفة هي: هبة الإنسان غيره عيناً أو ديناً أو منفعة على أن يملك الموصى له الهبة بعد موت الموصي، أو هي تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع.
والوصية للوارث باطلة ولاتنفذ إلا إذا أجازها بقية الورثة ، لكونها وصية لورثة يرثون بأصل الشرع, وقد ثبت النهي عن ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: إن الله أعطى كل ذي حق حقه, فلا وصية لوارث. رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه.
وفاعل ذلك متوعَد بعقوبة شديدة لما في فعله من الحيف والجور في الوصية والتعدي على حدود الله، فالذي يعطي بعض الورثة، ويحجب البعض قد اعترض على شرع الله وتعدى حدوده، وقد قال الله تعالى بعد بيان أحكام المواريث: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم ُ* وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ {النساء:14}.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليعمل والمرأة بطاعة الله ستين سنة, ثم يحضرهما الموت, فيضاران في الوصية فتجب لهما النار، ثم قرأ أبو هريرة رضي الله عنه: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ [النساء:12]. إلى قوله تعالى: ذلك الفوز العظيم . رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
ورواه الإمام أحمد وابن ماجه بلفظ: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة، فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار. وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة، ثم قال: واقرءوا إن شئتم: تلك حدود الله.... إلى قوله: عذاب مهين.
فالواجب على العباد هو أن يتقوا الله تعالى في السر والعلن، وأن يرعوا حدوده وشرعه الذي أمر به، فلا صلاح ولا فلاح للعباد في دنياهم ولا آخرتهم إلا باتباع أمره واجتناب نهيه.
وعلى بنات ذلك الرجل تدارك الأمر فلهن حقهن كاملا وهو الثلثان فقط، والباقي بعد ذلك يعطى لباقي الورثة.
ولم تذكر لنا في السؤال أحدا غيرك, فإن لم يكن للميت وارث مع بناته غيرك فالباقي لك تأخذه تعصيبا سواء أكنت ابن أخ شقيق أو لأب ما لم يكن هنالك من هو أولى منك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم :ألحقوا الفرائض بأهلها, فما بقي فلأولى رجل ذكر " كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما" وللفائدة انظر الفتويين رقم 62168/47439 .
وأما مجرد النية دون قول أو فعل فلا مؤاخذة عليها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم. رواه البخاري و مسلم.
ثم إننا ننبهك أيها السائل الكريم إلى أن أمر التركات أمر خطير جداً وشائك للغاية وبالتالي فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقاً لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة المحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقاً لمصالح الأحياء والأموات .
والله أعلم.