السؤال
امرأة طلقها زوجها طلاقاً بائناً لها ثلاثة أبناء (8/ 11/15سنة)، فهل يخير الأبناء العيش مع من، وهل لو اختاروا الأم يلزم الأب بالنفقة، وهل هناك مقدار محدد للمتعة المقدمة من الزوج لزوجته بعد الطلاق، إذا كانت الزوجة تعمل موظفة ثم اشترط عليها الزوج أثناء الزواج ترك الوظيفة أو الطلاق فتركت الوظيفة ثم بعد ذلك طلقها، فهل لها الحق بمطالبته بتعويض بسبب ما لحقها من الأذى؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه لا خلاف بين أهل العلم في أن حق الحضانة في حال افتراق الزوجين يكون لأم الأولاد، لحديث عبد الله بن عمر: أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثديي له سقاء، وزعم أبوه أنه ينزعه مني، فقال: أنت أحق به ما لم تنكحي. أخرجه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وأما السن التي تنتهي عندها الحضانة فقد اختلف الفقهاء فيها اختلافاً كثيراً، والراجح أن الأم أحق بحضانة الأولاد حتى يبلغوا سن التمييز والاختيار، فإن بلغوها خيروا، وذلك للأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك وعمل الصحابة، فقد روى أهل السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير غلاماً بين أبيه وأمه. قال الترمذي: حديث صحيح.
وروى أهل السنن أيضاً عنه: أن امرأة جاءت فقالت: يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استهما عليه. فقال زوجها: من يحاقني في ولدي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أبوك وهذه أمك وخذ بيد أيهما شئت، فأخذ بيد أمه فانطلقت به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
قال ابن القيم معلقاً على حديث ابن عمر المتقدم: ودل الحديث على أنه إذا افترق الأبوان وبينهما ولد فالأم أحق به من الأب ما لم يقم بالأم ما يمنع تقديمها، أو بالولد وصف يقتضي تخييره، وهذا ما لا يعرف فيه نزاع....
فقد علمت مما ذكر أن أبناء المرأة المذكورة مخيرون في العيش مع أي الأبوين شاءوا.
وأما نفقة الأولاد فإنها على الأب سواء كان هو المتولي لحضانتهم أم لا، وقد أجمع العلماء على ذلك، يقول ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه العلم أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم. انتهى.
ولا تسقط هذه النفقة عن الأب إلا بعد بلوغ الأولاد وصيرورتهم قادرين على الكسب.
ومتعة المطلقة إنما هي بحسب حال المطلق إعساراً ويساراً، قال الله تعالى: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ {البقرة:236}
وفيما يتعلق بموضوع عمل الزوجة، فكان من حقها عند العقد عليها أن تشترط عليه استمرارها في وظيفتها، وليس له حينئذ إرغامها على ترك الوظيفة، لما روى أبو مسعود عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج. متفق عليه.
وأما إذا لم تكن قد اشترطت عليه ذلك، فليس من حقها أن تعمل خارج بيتها إلا إذا كان الزوج راضياً به، لأن الواجب عليها هو أن تطيع زوجها بالمعروف لورود التوجيه النبوي بذلك، ففي الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تصوم المرأة وزوجها شاهد يوما من غير شهر رمضان إلا بإذنه.
وفي الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. وفي النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي النساء خير؟ قال: التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره. وبناء على ما ذكر، فليس من حقها مطالبته بالتعويض إذا طلقها، لأنه لم يمنعها إلا مما له الحق في منعها منه.
والله أعلم.