السؤال
أود أن أعرف حجة من يقول بأن المرأة إذا طهرت من حيضتها عصراً فإنها تصلي الظهر والعصر والتي تطهر قبل الفجر تصلي المغرب والعشاء، فأنا أود أن تبينوا لي أدلة هؤلاء العلماء وأدلة من خالفهم كي أرى الحجة الأقوى وأتبعها خاصة ولله الحمد أني ذات شيء من المعرفة والثقافة الفقهية؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن هذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها العلماء قديماً، فذهب الجمهور ومن بينهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد إلى أن الحائض ومن في حكمها من أهل الأعذار إذا زال عنهم العذر المانع من الصلاة بعد العصر صلوا الظهر والعصر معاً، وإن زال بعد العشاء صلوا المغرب والعشاء معاً، وتفصيل أقوالهم هنا هو أن المالكية يشترطون لوجوب الصلاتين معاً أن يدرك من الوقت قدر ما تصلى فيه الصلاة الأولى وركعة معها مع اعتبار وقت الطهارة، وعند الشافعية والحنابلة يكفي في وجوب قضاء الصلاتين إدراك قدر تكبيرة الإحرام فقط، وذهب أبو حنيفة ومن وافقه إلى أنه ليس على الحائض ومن في حكمها إذا زال العذر إلا الصلاة التي زال العذر في وقتها، واستدل أصحاب هذا القول الأخير بأن وقت الأولى خرج في حال التلبس بالعذر فلم تجب كما لو لم يدرك من وقت الثانية شيئاً.
واستدل أصحاب القول الأول من جهة النظر بأن وقت الظهر والعصر وقت واحد في الجملة، ولذلك يجمع بينهما في وقت إحداهما في السفر وغيره من أسباب الجمع، كما احتجوا بفتوى الصحابيين عبد الرحمن بن عوف وابن عباس بذلك، قال ابن قدامة الحنبلي وهو يذكر حجتهم في ذلك: ولنا ما روى الأثرم وابن المنذر وغيرهما عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس أنهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة: تصلي المغرب والعشاء، فإذا طهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر جميعاً.
وقال ابن عبد البر: قال مالك: إذا طهرت المرأة قبل الغروب فإن كان بقي عليها من النهار ما تصلي خمس ركعات صلت الظهر والعصر، وإن لم يكن بقي من النهار ما تصلي خمس ركعات صلت العصر، وإذا طهرت قبل الفجر وكان ما بقي عليها من الليل قدر ما تصلي أربع ركعات -ثلاثاً للمغرب وركعة من العشاء- صلت المغرب والعشاء، وإن لم يبق عليها إلا ما تصلي فيه ثلاث ركعات صلت العشاء، ذكره أشهب وابن عبد الحكم وابن القاسم وابن وهب عن مالك.... إلى أن قال: وقال الشافعي: إذا طهرت المرأة قبل مغيب الشمس بركعة أعادت الظهر والعصر، وكذلك إن طهرت قبل الفجر بركعة أعادت المغرب والعشاء، واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر، وبجمعه صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين في أسفاره وبعرفة وبالمزدلفة في وقت إحداهما، يعني صلاتي الليل وصلاتي النهار الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وهذا القول للشافعي في هذه المسألة أشهر أقاويله عند أصحابه فيها وأصحها عندهم وهو الذي لم يذكر البويطي غيره، وللشافعي في هذه المسألة قولان آخران: أحدهما: مثل قول مالك سواء في مراعاة قدر خمس ركعات... إلى أن قال: ... وقال أبو حنيفة وأصحابه وهو قول ابن علية: من طهرت من الحيض أو بلغ من الصبيان أو أسلم من الكفار لم يكن عليه أن يصلي شيئاً مما فات وقته وإنما يقضي ما أدرك وقته بمقدار ركعة فما زاد، وهم لا يقولون بالاشتراك في الأوقات لا في صلاتي الليل ولا في صلاتي النهار، ولا يرون لأحد الجمع بين الصلاتين لا لمسافر ولا لمريض ولا لعذر من الأعذار في وقت إحداهما لا يجوز ذلك عندهم في غير عرفة والمزدلفة. انتهى باختصار من كتاب التمهيد.
وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير: حديث عبد الرحمن بن عوف: في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة: يلزمها المغرب والعشاء جميعاً. رواه الأثرم، والبيهقي في المعرفة من رواية محمد بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع، عن جده، عن مولى لعبد الرحمن بن عوف عنه بهذا، وزاد: وإذا طهرت قبل أن تغرب الشمس صلت الظهر والعصر جميعاً. ومحمد بن عثمان وثقه أحمد، ومولى عبد الرحمن لم يعرف حاله، وحديث ابن عباس مثله رواه البيهقي من طريق يزيد بن أبي زياد، عن طاوس عنه، وتابعه ليث بن أبي سليم، عن طاوس، وعطاء، وقال: قال أبو بكر بن إسحاق: لا أعلم أحداً من الصحابة خالفهما، قال: ورويناه عن الفقهاء السبعة من أهل المدينة وعن جماعة من التابعين. انتهى.
ومن خلال ما مر يتبين للأخت السائلة أن أدلة الجمهور في هذه المسألة أقوى؛ إضافة إلى أن الأخذ بقولهم أحوط وأبرأ للذمة، وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 1074.
والله أعلم.