الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن إمكانية حصول الحمل بهذا الأمر يسأل عنها الأطباء، وظاهر كلام بعض الفقهاء إمكانه، وأما القصة المذكورة فلم نعثر على ما يفيد ثبوتها، وقد اختلف العلماء فيمن ظهر بها حمل ولا زوج لها فرفع الجمهورعنها الحد، وخالف المالكية، قال ابن قدامة في المغني: وإذا أحبلت امرأة لا زوج لها ولا سيد , لم يلزمها الحد بذلك, وتسأل فإن ادعت أنها أكرهت, أو وطئت بشبهة , أو لم تعترف بالزنا لم تحد . وهذا قول أبي حنيفة , والشافعي . وقال مالك : عليها الحد إذا كانت مقيمة غير غريبة , إلا أن تظهر أمارات الإكراه , بأن تأتي مستغيثة أو صارخة ; لقول عمر رضي الله عنه : والرجم واجب على كل من زنى من الرجال والنساء إذا كان محصنا , إذا قامت بينة , أو كان الحبل أو الاعتراف . وروي أن عثمان أتي بامرأة ولدت لستة أشهر , فأمر بها عثمان أن ترجم , فقال علي : ليس لك عليها سبيل , قال الله تعالى : { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } . وهذا يدل على أنه كان يرجمها بحملها , وعن عمر نحو من هذا، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : يا أيها الناس إن الزنا زناءان ; زنا سر وزنا علانية , فزنا السر أن يشهد الشهود , فيكون الشهود أول من يرمي , وزنا العلانية أن يظهر الحبل أو الاعتراف , فيكون الإمام أول من يرمي , وهذا قول سادة الصحابة ولم يظهر لهم في عصرهم مخالف , فيكون إجماعا . ولنا أنه يحتمل أنه من وطء إكراه أو شبهة , والحد يسقط بالشبهات . وقد قيل: إن المرأة تحمل من غير وطء بأن يدخل ماء الرجل في فرجها, إما بفعلها أو فعل غيرها . ولهذا تصور حمل البكر , فقد وجد ذلك . وأما قول الصحابة : فقد اختلفت الرواية عنهم , فروى سعيد , حدثنا خلف بن خليفة , حدثنا هاشم , أن امرأة رفعت إلى عمر بن الخطاب , ليس لها زوج , وقد حملت , فسألها عمر , فقالت : إني امرأة ثقيلة الرأس , وقع علي رجل وأنا نائمة , فما استيقظت حتى فرغ . فدرأ عنها الحد . وروى البراء بن صبرة , عن عمر أنه أتي بامرأة حامل , فادعت أنها أكرهت , فقال : خل سبيلها . وكتب إلى أمراء الأجناد , أن لا يقتل أحد إلا بإذنه . وروي عن علي , وابن عباس , أنهما قالا : إذا كان في الحد لعل وعسى , فهو معطل . وروى الدارقطني بإسناده عن عبد الله بن مسعود , ومعاذ بن جبل , وعقبة بن عامر , أنهم قالوا : إذا اشتبه عليك الحد , فادرأ ما استطعت . ولا خلاف في أن الحد يدرأ بالشبهات , وهي متحققة ههنا .اهـ
وقد ذكر الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير: أن المرأة إذا ظهر بها حمل ولم يعرف لها زوج أو كانت أمة وكان سيدها منكرا لوطئها فإنها تحد ولا يقبل دعواها الغصب على ذلك بلا قرينة تشهد لها بذلك ولا دعواها أن هذا الحمل من مني شربه فرجها في الحمام ولا من وطء جني , إلا لقرينة مثل كونها عذراء وهي من أهل العفة . اهـ
وفي أسنى المطالب للشيخ زكريا ممزوجا بمتن روض الطالب :
واستدخال المني حلالا وشبهة ) أي المني المحترم ( كالوطء ) في وجوب العدة وثبوت النسب ; لأنه أقرب إلى العلوق من مجرد الإيلاج وقول الأطباء المني إذا ضربه الهواء لا ينعقد منه الولد غايته ظن , وهو لا ينافي في الإمكان فلا يلتفت إليه. اهـ
وقال الشوبري في حاشيته على شرح الشيخ زكريا :
وسئل والدي رحمه الله عن رجل وطئ زوجته , وأنزل معها ثم نزع منها فمسح ذكره بحجر فأخذت الحجر امرأة أجنبية فامتسحت به فحملت فهل يلحقه الولد أم لا ؟ . فأجاب بأن الولد يلحق الواطئ لكون مائه حال الإنزال محترما , وذلك أولى من وطء أجنبية يظنها زوجته , وهي تعلم أنه أجنبي , وقد حكموا بلحوق الولد به , .
والله أعلم .