السؤال
هل يجب على من أجريت له الحجامة الاغتسال أم أنه يكفيه الوضوء فقط؟ وما هو تفسير الحديث (أنه كان يأمر بالغسل من الجنابة والحجامة ومن غسل الميت ويوم الجمعة)؟
هل يجب على من أجريت له الحجامة الاغتسال أم أنه يكفيه الوضوء فقط؟ وما هو تفسير الحديث (أنه كان يأمر بالغسل من الجنابة والحجامة ومن غسل الميت ويوم الجمعة)؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمشروعية الغسل بعد الحجامة محل خلاف بين أهل العلم، فهو مستحب عند بعض الشافعية، ففي المجموع للنووي: ومن المستحب الغسل من الحجامة ودخول الحمام، نص عليهما الشافعي - في القديم - وحكاه عن القديم ابن القاص والقفال وقطعا به، وكذا قطع به المحاملي في اللباب والغزالي في الخلاصة والبغوي وآخرون، ونقله الغزالي في الوسيط عن ابن القاص ثم قال: وأنكر معظم الأصحاب استحبابهما. انتهى
وعند الحنابلة غير مستحب على الصحيح في مذهبهم، ففي الإنصاف للمرداوي -وهو حنبلي- متحدثا عن الأغسال المستحبة: ومنها: الغسل للحجامة، على إحدى الروايتين. اختاره القاضي في المجرد، والمجد في شرح الهداية، وصاحب مجمع البحرين. وصححاه، وقدمه في الرعاية الكبرى. وعنه لا يستحب. وهو الصحيح من المذهب، قدمه في الفروع. وأطلقهما ابن تميم، وابن عبيدان. انتهى
ويستحب عند الحنفية، ففي فتح القدير لابن الهمام الحنفي: ومن الأغسال المندوبة: الاغتسال لدخول مكة، والوقوف بمزدلفة، ودخول مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن غسل الميت، وللحجامة لشبهة الخلاف، ولليلة القدر إذا رآها. انتهى
أما المالكية فغير مطلوب عندهم؛ بل يكفي غسل موضع الحجامة فقط. ففي منح الجليل ممزوجا بمختصر خليل المالكي: وكأثر دم في موضع كحجامة وفصادة، ونعت "الموضع" بجملة مسح بضم فكسر أي الموضع من عين الدم فيعفى عنه حتى يبرأ، فإذا برئ الموضع غسل المكلف الموضع استنانا أو وجوبا إن ذكر وقدر. انتهى.
والحديث الذي أشرت إليه قد تكلم بعض أهل العلم في سنده ففي المجموع للنووي: وروى البيهقي بإسناد -ضعفه- عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الغسل من خمسة: من الجنابة، والحجامة، وغسل يوم الجمعة، والغسل من ماء الحمام. وبإسناده عن ابن عمرو بن العاص قال: كنا نغتسل من خمس: من الحجامة، والحمام، ونتف الإبط، ومن الجنابة، ويوم الجمعة. انتهى.
والحديث قد شرحه الصنعاني في سبل السلام قائلا: وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل من أربع: من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن الحجامة، وغسل الميت. رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة ورواه أحمد والبيهقي، وفي إسناده مصعب بن شيبة، وفيه مقال. والحديث دليل على مشروعية الغسل في هذه الأربعة الأحوال، فأما الجنابة فالوجوب ظاهر. وأما الجمعة ففي حكمه ووقته خلاف، أما حكمه فالجمهور على أنه مسنون لحديث سمرة: من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل. يأتي قريبا. وقال داود وجماعة: إنه واجب؛ لحديث: غسل الجمعة واجب على كل محتلم. يأتي قريبا. أخرجه السبعة من حديث أبي سعيد. وأجيب بأنه يحمل الوجوب على تأكد السنية. وأما وقته ففيه خلاف أيضا، فعند الهادوية أنه من فجر الجمعة إلى عصرها، وعند غيرهم أنه للصلاة، فلا يشرع بعدها ما لم يدخل وقت العصر. وحديث: من أتى الجمعة فليغتسل. دليل الثاني، وحديث "عائشة" هذا يناسب الأول.
أما الغسل من الحجامة فقيل هو سنة، وتقدم حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ. فدل على أنه سنة يفعل تارة كما أفاده حديث "عائشة" هذا، ويترك أخرى كما في حديث "أنس" ويروى عن علي عليه السلام: الغسل من الحجامة سنة، وإن تطهرت أجزأك. وأما الغسل من غسل الميت فتقدم الكلام فيه، وللعلماء فيه ثلاثه أقوال: أنه سنة وهو أقربها، وأنه واجب، وأنه مستحب. انتهى
وعليه؛ فالغسل بعد الحجامة غير واجب بل مستحب عند بعض أهل العلم. كما أن الحجامة لا تنقض الوضوء عند جمهور أهل العلم.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني