السؤال
النفس البشرية، نفس متقلبة، وقد سمعت الآية الكريمة "ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها" فهل هذه الآية تدل أن أي خلق بشري أو أي من الطباع قابل للتغير، والسؤال عن البخل تحديداً، فهل يمكن أن يصبح البخيل كريما أو حتى إنسانا عاديا، وهل يوجد في تاريخنا الإسلامي من اشتهر ببخله ثم تغير وأصبح كريما أو إنسانا عاديا في هذا المجال؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأخلاق الحميدة منها ما يجبل عليها الإنسان ومنها ما يكتسب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه. حسنه الألباني في صحيح الجامع، والكرم خلق حميد يجري عليه هذا الكلام، فقد يجاهد البخيل نفسه للتخلص من هذا الداء فيعينه الله عز وجل، والقلب ما سمي قلباً إلا لتقلبه، أخرج ابن أبي الدنيا في الإخلاص عن أبي موسى قال: إنما سمي القلب قلباً لتقلبه. وإنما مثل القلب مثل ريشة بفلاة من الأرض. وأخرج أحمد وابن ماجه عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن هذا القلب كريشة بفلاة من الأرض تقيمها الريح ظهراً لبطن. لأن القلوب بيد الله وهو المتصرف فيها، روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك.
والبخل والشح داء خبيث، ففي الأدب المفرد للبخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وأي داء أدوى من البخل. وروى البخاري في صحيحه عن أبي بكر الصديق أنه قال لجابر بن عبد الله: وأي داء أدوأ من البخل. قالها ثلاثاً. وقال الإمام النووي رحمه الله في المجموع: فرع في ذم البخل والشح والحث على الإنفاق في الطاعات ووجوه الخيرات، قال الله تعالى: وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وقال تعالى: وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ. وقال عز وجل: وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ. وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم. رواه مسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً. رواه البخاري ومسلم. وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: أنفق ينفق عليك. رواه البخاري ومسلم. وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا توكي فيوكى عليك. رواه البخاري ومسلم، وعن عائشة رضي الله عنها: أنهم ذبحوا شاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بقي منها؟ قالت: ما بقي منها إلا كتفها، قال: بقي كلها غير كتفها. رواه الترمذي، وقال حديث صحيح، ومعناه تصدقوا بها إلا كتفها، فقال: بقيت لنا في الآخرة إلا كتفها. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله تعالى إلا رفعه الله. رواه مسلم.
فمعرفة البخيل بهذه الآيات والأحاديث وكلام السلف ومواقف الكرماء المشرفة وثناء الناس عليهم ونحو ذلك يدفعه إلى التخلص من بخله بالتدريب على النفقة والعطاء شيئاً فشيئاً، فالأخلاق الفاضلة قد تكتسب بالتدريب -كما قلنا قبل- فقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69}، ولم نقف على شخص معين كان مشهوراً بالبخل ثم صار كريماً أو متوسط الحال، ولكن عدم علمنا بذلك لا يعني عدم وجوده في الواقع.
والله أعلم.