السؤال
قصتي هي التالي وعسى ربنا أن يهدي الجميع . أرجو منك أن تخبرني ماذا أفعل حيال هذا الموضوع . أنا شاب 23 سنة في العمر ونحن مكونون من أسرة كبيرة ولله الحمد . ووالدي كبير في السن يقارب 70 من العمر . ولكني أنا أوسطهم أحدثك بهذه القصة خوفاً من الله عز وجل يوم القيامة . نحن عائلة غير مترابطين وغير متفاهمين مع بعضنا البعض عسى الله أن يهدينا جميعاً وكل واحد في حاله وأنا أعمل والحمد لله وأخي أكبر مني بسنتين يعمل أيضا وهو على وشك الزواجً وكذلك أخي الأكبر مني بـ 4 سنين يعمل كذلك وهو متزوج الآن . أبدأ بقصتي الآن وعسى الله أن يغفر لنا ولإخواننا المسلمين جميعاً، إن والدي عليه ديون كثيرة وهذه الديون على الوالد قبل ما نولد كلنا، وبعض أصحابها قد توفوا ولم يتم سداد ديونهم لهم وبقي عيالهم وأنا تعبت من كثرة ما أكلم والدي وأذكره أن من عليه الديون لا يدخل الجنة، ويقول لي على الله فقلت له لا بأس في ذلك، ولكن هذه أموال أناس لابد من سدادها . بالرغم من كثرة كلامي لوالدي انزعج إخواني من هذا الكلام وأصبحوا يقولون لي أنت تبغي قتل أبيك بكلامك هذا ، فتعجبت من ذلك، والله والله إني كل يوم أنام في قلق وحزن وهم ليومك هذا ولا أعرف ماذا أفعل . وفي يوم قلت لأبي يا أبي اجمعنا حتى نحل مشكلة الديون ونتخلص منها لأن الموت يأتي في أي لحظة، ويقول لي سنتخلص منها بعدين، فأقول في نفسي كيف أقنع والدي بالسداد ماذا أقول له ماذا أفعل له حتى نتخلص من الديون بالرغم أن والدي ليس متعلما ولا موظفا سابقا . وكذلك يا شيخ عند استلامي الراتب أعطي لوالدي جزءا بسيطا من المبلغ حتى أستطيع جمع باقي المبلغ للديون وكذلك لمصاريفي وغير ذلك من المال . ولكن المشكلة عندما أعطي لوالدي مبلغا بسيطا مثال على ذلك 200 ريال فبعد أسبوع يتضح أنه أنفقها كلها فقلت لا بأس لأنه والدي ولكن في كل يوم أو يومين يقول ليس عندي مال ليس عندي مال ، ولكن كيف هذا كيف أقوم بسداد ديون الناس ونحن غير متفاهمين وغير مترابطين مع إخواننا . وهل يا شيخ أعطي له جميع مال الراتب حيث ذكر على أنه أنت ومالك لوالدك. وأنا الآن يا شيخ أعيش متحطم القلب حيث إن والدتي توفيت في عام 1425هـ حيث كنت أذكرها كل يوم أنني عندما أجد عملاً فسوف أعمل حاجات جميلة لك، وأريدك أن تجدين لي عروسا جميلة من يديك الجميلتين، ولكنها فارقت الحياة الله يرحمها ويرحم جميع المسلمين . والآن تغيرت أحوالي . حتى أنني لا أستطيع محادثة أبي كما كنت أحادث أمي الله يرحمها لأنه كل مرة أجلس مع أبي يفتح مجال الفلوس وجزاك الله ألف خير على ما تقدموه لنا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيجب على والدك سداد الدين الذي عليه إن كان قادرا، ولا يسقط حق الدائن بتقادم الزمن، ولو مات صاحب الدين دفع إلى ورثته.
وأما إن كان عاجزا لعدم قدرته على العمل وعدم وجود مال زائد عن حوائجه يقضي منه دينه فلا يجب عليه ذلك لأن ذلك خارج عن قدرته، والله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولا يجب على أولاده قضاء دينه؛ بل الواجب عليهم نفقته بما يحتاجه فقط.
وزيادة في بيان هذا الموضوع الذي شغلك كثيرا نقول:
نشكرك أولا على ما قمت به تجاه والدتك رحمها الله تعالى، وما تقوم به تجاه والدك -أطال الله في عمره على طاعته- من النصح والإعانة بالمال، ونقول لك: لا يجب عليك نفقته وحدك بل نفقته على جميع القادرين من أولاده، فإن قصروا ورأيت أنه محتاج فلا بد من أن تعطيه ما يكفيه ولا يضر بك، وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 50146.
وقد أحسنت في حرصك على لم شمل الأسرة، ونسأل الله أن يجزيك عن ذلك خيرا، كما أحسنت في الحرص على أداء الحقوق إلى أهلها وقضاء الدين الذي على والدك، وهذا من البر به والإحسان إليه لتبرئة ذمته، وليس كما قيل لك إنه سبب في تعجيل وفاة والدك.
والذي ننصحك به هو أن تسأل والدك عن قدر الدين ومن هم الناس الذين استدان منهم، ثم تكلم إخوانك في التعاون وجمع المال كل على حسب قدرته لقضائه، ثم تذهب إلى أصحاب الحق وترد لهم مالهم، فإن كانوا قد ماتوا فورثتهم من بعدهم، فإن لم يفعل إخوانك ذلك فلا سبيل لك عليهم، ولو قمت بقضاء الدين فإن ذمة والدك تبرأ ويستريح من هذا الحمل الثقيل الذي عليه، ويكون لك بذلك أجر عظيم، فإن لم تقدر على قضاء كل الدين فبعضه حسب قدرتك، وهنا نود أن نورد لك بعض الأحاديث الدالة على عظم أمر الدين لتوصلها إلى إخوانك ووالدك لعلهم يهتمون بالأمر إذا علموا عظمه وخطورته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه. رواه أحمد وأصحاب السنن، وصححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين. رواه مسلم.
وفي مسند أحمد وغيره عن جابر قال: توفي رجل فغسلناه وحنطناه وكفناه ثم أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه فقلنا: تصلي عليه فخطا خطى، ثم قال أعليه دين؟ قلنا ديناران، فانصرف فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه فقال أبو قتادة الديناران علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحق الغريم وبرئ منهما الميت، قال نعم، فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم: ما فعل الديناران، فقال: إنما مات أمس، قال: فعاد إليه من الغد، فقال: لقد قضيتهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الآن بردت عليه جلده.
وأخيرا نوصيك أخي الفاضل أن لا تمل من متابعة الموضوع بحكمة ورفق حتى لا يكون سببا في مصيبة أخرى وهي القطيعة بينك وبين والدك وإخوانك، ونسأل الله تعالى أن يعينك على معالجته بما يعود عليك وعلى والدك وإخوانك بالخير والسداد.
والله أعلم.